هذا هو الانتقال الثالث من عمل روائي للأمريكي "كورماك ماكارثي"، وبتحويل ينحو إلى الإخلاص، إلى السينما عبر إدارة فذة للمخرج جون هيلكوت الذي سبق وأن أدهش الجمهور بفيلمه في الغرب المتوحش "العرض-The Proposition" عام 2005م. "كل الخيول الجميلة" كانت أولى رواياته التي حولت إلى السينما عام 2000م، وأخرجها الممثل المعروف بيلي بوب ثورنتون، لكن دون نجاح يذكر، لكن النجاح الحقيقي كان مع روايته (لا بلد للمسنين - No Country for Old Men) عام 2007 والتي أخرجها كفيلم الإخوة كوين، وحازا عليه جائزة الأكاديمية الأمريكية أوسكار عام 2008م، والعديد من جوائز المهرجانات المختلفة في الولاياتالمتحدة وخارجها. هذا بالاضافة إلى رواياته القادمة إلى السينما وأشهرها "خط الدم أو حمرة الغسق في الغرب" والتي ترجمت إلى العربية عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع عام 2006م. كالعادة الشخوص في روايات ماكارثي مدمرة من الداخل وتحمل أثقالاً نفسية ضخمة، تعيش الاغتراب الكبير لإنسان القرن العشرين، لكنه في هذه الرواية ينوء بحمل مختلف وإن كانت مظاهره هي نفسها في العديد من روايات ماكارثي. ماكارثي هذه المرة يروي الهولوكوست النووي، ولكن من زاوية محددة وضيقة عبر عيني شخص واحد، لا نعرف له هوية ولا تاريخا سوى النزر اليسير الذي يسمح ماكارثي بتمريره بشح، يخدمه في تأكيد الصورة الحالية وعدم جدوى الماضي في مستقبل كهذا. جون هيلكوت هيلكوت من جهته هو الآخر أدرك التحدي الذي يقدمه ماكارثي في روايته، واستطاع بذكاء رسم ملامح العالم الذي بناه ماكارثي في روايته، فخلق الأجواء الملائمة ولم يحاول أن يتوسع في وصف الكارثة النووية كما كان ينتظر البعض، بل التزم بخط السير نحو الجنوب دوماً، الأمر الذي يخفي رمزيته العميقة. هيلكوت التزم كثيراً بنص ماكارثي حتى في لحظاته الأكثر عنفاً وسوداوية، تعامله مع الممثلين في أدوراهم مدهش بغض النظر عن مكانتهم ونجوميتهم، وهو ما يعكس ولو لوهلة الاحترافية الفنية التي تعامل بها مع الرواية. منذ صدورها في عام 2006م، برزت رواية "الطريق" كمؤثر في رؤى الكثير من الأمريكين للهولوكست النووي، وليس مستغرباً إشاعة أنها المؤثر الرئيسي في إحدى أبرز ألعاب عام 2008م، "فول آوت 3" من استديو بيثسدا الأمريكي، على الأقل في جزئية رحلة الأب والابن وقصص الطريق المقفر إلا من القتلة وآكلي لحوم البشر.