المخلوقات الحية من إنسان وحيوان وطيور ودواب سواء كانت فوق الأرض أو في جوف الماء تتآلف فيما بينها، تتزاوج، تتكاثر، تتعاضد، تحمي بعضها بعضا، يعطف، يحنو كبارها على صغارها، تكوّن لها جماعات وأسراب، كل له لغته وإشارته ورمزيته، كل له قيادته ومسؤوليته، الطيور لها قائد يكون أمام أسرابها وكذا الحيوانات، الإنسان المُكرم والخليفة في الأرض، يولد وينشأ ويترعرع في كنف أسرة من أب وأم، تزاوجا فأنجباه أخذا يحنوان ويعطفان عليه، ينظران إليه بحدب وشغف يحاولان بقدر استطاعتهما أن يكون أفضل منهما في النشأة والتربية والتعليم، فالأسرة الملاذ الآمن بعد الله، والمحضن الأول، مكمن الدفء والحب والود والانتماء والاستقرار، وحدة النظام الاجتماعي، الدرع والحصن والعشيرة، الخلية الأولى في المجتمع، البناء الاجتماعي السائد على امتداد التاريخ، المؤسسة الأولى، مرتكز بناء المجتمع السليم، المسؤولة عن بناء شخصية رجل المستقبل، هي بمثابة القلب من الجسد أن صلحت صلح بإذن الله المجتمع كله فصلاح الآباء يدرك الأبناء، ينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه، الأسرة المدرسة الأولى والمعلم الأول لأفرادها يتعلم الأبناء منها وفيها السلوك واللغة والخبرات والمعارف يتعلم فيها كيف يكون التعلم والاختيار وحل المشكلات يقول الخليفة عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - الصلاح من الله والأدب من الآباء، الأسرة مدرسة إذا اعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق، ذلك أنها اللبنة الأولى والوحدة الاجتماعية الأساسية للمجتمع تتجسد فيها أركان المجتمع ومقوماته البنائية يرتبط أفرادها بعلاقات عاطفية واجتماعية ومالية، تنظمها حقوق وواجبات يستقيم أمرها بقيادة تدير شؤونها الرجال قوامون عليها والنساء آمرات بها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «آمروا النساء على فتياتهن»، تحفظ النوع وتسعى لتأمين الأمن والاستقرار والتوافق النفسي، تغرس القيم والفضائل الكريمة والآداب والأخلاقيات والعادات الاجتماعية التي تدعم حياة الفرد وتحثه على أداء دوره في الحياة من غرس مفاهيم حب الوطن والانتماء إليه وترسيخ مفاهيم ومعاني الوطنية في أفئدة الأبناء بالتضحية والدفاع عنه فتعليم القيم أكثر جدوى من توفير الغذاء والكساء. الأسرة مسؤولة عن عمليات التنشئة الاجتماعية التي يتعلم الأبناء من خلالها خبرات الثقافة وقواعدها وتمكنهم من المشاركة التفاعلية مع غيرهم من أعضاء المجتمع. للوالدين دور عظيم في الحفاظ على بنيان الأسرة وتنشئة أبنائها تنشئة سليمة صحية، ليرفدوا المجتمع بشباب سليم قوي، من خلال العناية بتقويم طباعهم وعاداتهم وتربيتهم على الصدق في القول، والأمانة، والحلم والأناة وعفة اللسان، وصفاء النفس من الأحقاد، وبر الوالدين واحترامهما، والأدب مع الأسرة والاخوة والجيران والأصدقاء ثم مع الناس، ولعل هذه الأخلاق مما تلازم الإنسان وتدفعه إلى كل فضيلة وهي عون على كمال الشخصية، وتشعره بمسؤوليته تجاه مجتمعه ووطنه ليكون مواطناً صالحاً في المجتمع. أكد علماء التربية على أهمية تعاهد الآباء لأبنائهم بالعطف والحنان والحدب عليهم والرأفة بهم حفظاً وصيانة لهم من الكآبة والقلق ذلك لما لها من أثر في الأبناء منذ بداية حمل الأم فيتأثر الجنين بما يحيط بها من انفعالات غضب أو فرح، استقرار أو قلق، كل موقف يمر به الطفل في طفولته يؤثر فيه ويترك آثاراً في ملامح شخصيته تظهر في معاملاته وسلوكه وتصرفاته، أكدت منظمة اليونسكو أن هناك مؤثرات على الأبناء من جراء حرمانهم من العطف الأبوي، ولقد أكد ميثاق أخلاقيات مهنة التعليم في المملكة العربية السعودية على أهمية تعاون المعلم والأسرة في التربية والتعليم كون المعلم شريك الوالدين في التربية والتنشئة مما يستلزم منه توطيد أواصر الثقة بين البيت والمدرسة، مؤكداً أن عليه أن يعي التشاور مع الأسرة بشأن كل أمر يهم مستقبل الطلاب أو يؤثر في مسيرتهم العملية وفي كل تغير يطرأ على سلوكهم. المربون والآباء يختارون أحسن الأقوال والأفعال لتكون التربية بالقدوة والموعظة الحسنة والقصة المعبرة والموقف النبيل والعبرة ولتكون التربية بانتهاز المناسبة وبالأمثال ذات المعاني والمدلول وأن يتاح الفرصة للأبناء لابداء الرأي وتشجيعهم على الحوار والنقاش الهادف وأن يبتعد عن الأساليب القاسية والضرب والتعنيف فرب نظرة أقسى من عصا، ولنا في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة والمثل والأنموذج والمحتذى في التربية والسلوك وحسن التعامل مع الزوجة والأبناء فلم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، لم يعب طعاماً قط، كان رحوماً، عطوفاً، ودوداً، سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها سبقته مرة وسبقها مرة، تقول عائشة رضي الله عنها كان يشيل هذا، ويحط هذا، ويخدم في مهنة أهله، ويقطع لهم اللحم، ويقمّ البيت أي يكنسه ويقول عمر رضي الله عنه وهو القوي الشديد الجاد في حكمه وعدله ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي أي في الأنس والسهولة، يقول ابن سينا الصبي للصبي ألقن وآنس مما يؤكد أن البيت مسؤول عن التربية الايمانية، التربية الخلقية، التربية الجسمية، التربية العقلية، التربية الاجتماعية، التربية النفسية، ويتحقق هذا بالمراقبة والملاحظة وتسديد الفراغ وملاحظة الصحبة، لذا أقطاب التربية والتعليم يتحملون مسؤولية بناء أجيال واعية واثقة بنفسها تعي مالها من حقوق وما عليها من واجبات تجاه أسرهم ومجتمعهم ووطنهم وولاة أمرهم يوجهون العلوم والمعارف بمختلف أنواعها وموادها منهجاً وتأليفاً وتدريساً بما يخدم الأسرة والمجتمع والوطن، وعليهم انماء شخصية الأبناء إنماءً متكاملاً، معززين مبدأ التسامح والمحبة والاخاء وصلة الأرحام والاحترام المتبادل وتنمية الثقة بالنفس فالأسرة التربة الخصبة لغرس القيم والأخلاقيات الفاضلة، فلتغرس أسرنا كل فضيلة لتحصد الخير للجميع. *مدير مكتب التربية والتعليم بشمال الرياض