حكايات الجدات وقصصهن لأحفادهن، ستكون عرضة لخطر الزوال خلال العقود القادمة. قوة ذاكرة أجداد المستقبل ستجد عدوا لدوداً، غير الخرف بالتأكيد والنسيان؛ إنه بلاشك موقع (اليوتيوب) ومحرك البحث (غوغل). وكما نعرف فإن العادة جرت، على أن يجلس رجلٌ مسنٌ في مجلس ما ويتحلق حوله الجميع مصغين لحكايا التاريخ. فمثلاً: لا يكف رجل عجوز من ترديد قصة سنة (الطبعة)، عندما أهلكت عاصفة عاتية معظم سفن الخليج أيام الغوص؛ ساردا بطولات رجالات الماضي القديم، وممارسا لعبة "المونتاج الشفوي"، مزيلا هذا الجزء ومضيفا ما يريد من الكلام؛ ليظهر بطولات أبناء "ديرته" أو خلانه الذين توفاهم الله قبل سنوات خلت. بينما الجميع يصغي، مبحرا في خيالات السرد وفنون الحكاية.. هذا المشهد بجمالياته، سيهدد بالزوال خلال العقود المقبلة. لأن أطفال وشباب المستقبل لن يعودوا في حاجة إلى الإصغاء لوقائع كارثة سيول جدة على لسان عجوز الحي الحجازي. بينما يحتفظ (اليويتوب) بعشرات الافلام المصورة والتي توثق الكارثة من يومها الأول إلى أغنية الرابر "كلاش" حول فاجعة السيول الأليمة، وأيضاً، دون اللجوء إلى مقص الجد أو إضافاته عندما يرش المزيد من "البهارات" على "سوالفه" الليلية. التهديد الذي سيطال ذاكرة الأجداد في المستقبل (قد نكون نحن الأجداد طبعاً) لن يكون من هيمنة الصورة "اليوتيوبية" وحسب، وإنما أيضا من انتشار وتوفر النصوص والوثائق الالكترونية المخزنة بمئات الملايين على شبكة الانترنت والتي بإمكان محرك البحث (غوغل) أن يعثر عليها بضغطة زر!. فمن الأخبار والتقارير إلى الحوارات والتحقيقات، ستكون قصص الحوادث الكبرى في متناول الجميع. ولكن هذا يعني أن "شيّاب المستقبل" سيلتهون بتفحص أطقم أسنانهم ومراجعة أطباء الضغط والسكري.. الخ؛ بعيدا عن سحر ومتعة سرد الحكاية على الآخرين. من هنا يجب أن نُطمئن أجداد المستقبل بأن أحدا لن يحل مكانهم، فمهما استحوذت وسائل الاتصال على حياة الانسان؛ تبقى هناك ثمة قصص صغيرة لتروى؛ سرديات غافية بصمت، تنتظر الجدة (شهرزاد) كي تفيق وترويها؛ حكاياتٌ وأسرارٌ بين الأصدقاء، صورٌ لم تنشر وأصوات لم تذاع وكلمات لم تقال.. وحدها المرويات الفردية والصغيرة هي القادرة على تفجير الحكاية من جديد. لذا نقول لأجداد وجدات المستقبل: إذا كان هذا عصر التكنولوجيا من (الصورة) إلى (الانترنت) فإن سحر الحكاية باقٍ في كل العصور رغم أنف الجد (غوغل) والجدة (يوتيوب)!.