جدل ونقاش في منتدى الإعلام العربي في دبي عن صحافة المواطنين، تعبير شعبي خلاب يلامس اهتماماتنا ويقترب كثيرا من مشاعرنا كمواطنين. يشعرنا للوهلة الأولى أن لنا صحافة خاصة بنا نستطيع من خلالها التعبير عن آرائنا بحرية ونعيد بها صياغة تراتبية عملية الاتصال التقليدية. وإذا كان مبدأ "صحافة المواطن" جيدا، والفكرة خلابة والممارسة مشهود لها أنها أحدثت حراكا إيجابيا في المجتمعات العالمية والمحلية فإن التوقف عند دلالة المصطلح يجب أن يكون جادا؛ إذ ينبغي ونحن نؤسس لعلم هذا النوع من الاتصال الجماهيري الذي يتولى فيه المتلقي توجيه الرسالة أن نتريث قبل الاندفاع خلف إغراء المصطلح؛ ذلك أن الترجمة الحرفية للمصطلح (Citizens Journalism) أدت إلى ولادة مصطلح عربي حمّال لعدة أوجه يهب المواطنة ويمنعها دونما مرجعية محكمة في تزكية الذات والتشكيك في المنافس، كما أن القوم الذين ابتدعوه يستخدمون له مرادفات عديدة، ومازالوا يتدارسون البدائل، ويثيرون حول المصطلح حراكا كبيرا. وببساطة فإن صحافة المواطن هي المحتوى الذي يبدعه أو يعيد إنتاجه وتوجيهه شخص من عامة الناس أو خاصتهم على نحو فردي أو في مجموعة متجانسة لا تنضوي تحت كيان مؤسسي بهدف توفير بديل للإعلام التقليدي المشكوك في اهتمامه بالمواطن وفقا للمنادين بهذا المصطلح مسخرين لمحتواهم الجديد أو المعالج فضاء الإنترنت المفتوح ومتمردين على أي نوع من أنواع الرقابة المعتادة. وصحافة المواطن في هذه الحالة عبارة عن تحالف بين المتلقي والوسيلة على حساب الترتيب التقليدي للعملية الاتصالية. إن التسليم بالدور المهم الذي تؤديه صحافة المواطن لا يمنعنا من مناقشة المصطلح؛ فصحافة المواطن ستعني أن ماعداها غير مواطن، وبالتالي فالزملاء في الصحف السعودية التقليدية مثلا ليسوا مواطنين، أي أنهم مقيمون أو وافدون أو لا سمح الله غير منتمين لوطنهم! إذا أخذنا بهذا المصطلح على ظاهره. أما المتحمسون له فيجعلون صحافة المواطن في مواجهة صحافة المؤسسات، وذلك غير مستساغ لأن المواطن ليس في مقابل المؤسسة وإنما الفرد في مقابل المؤسسة، كما أن وضع صحافة المواطن في مقابل الصحافة الرسمية ليس صوابا ذلك أن الرسمية في الصحافة لا تنفي عنها المواطنة. ولذلك فقد أحسن الدكتور علي بن شويل القرني أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود عندما أكد بعد الجلسة بأنه سيولي هذا الجانب المزيد من البحث وأنه ربما يميل إلى "الصحافة الشخصية". الكوريون واليابانيون والصينيون والألمان كل سيتعاطى مع المصطلح ليس وفقا للترجمة وإنما وفقا لما تؤديه من معان إيجابية أو سلبية عند المستخدمين له بلغته الجديدة. ومن الضرورة بمكان أن تؤدي النسخة العربية من المصطلح إلى مد جسور من التواصل بين "الصحافة الشخصية" وبقية وسائل الإعلام بدلا من إثارة الشك في توجهات وممارسات ومحتوى الصحافة المعروفة. إن منظومة الإعلام بنيت على التكامل بين وسائله والإثراء وليس على أنقاض بعضها البعض. ما يحدث الآن في عالم نقل الخبر أو الرسالة يؤكد أنه لم يعد هناك مجال للتعتيم، كما أن هذا التطور يتحدى بشكل إيجابي قدرات الصحافيين المهنيين وإمكاناتهم، ويفتح مجالا لأن تحسن الصحافة من مستوى محرريها لتواجه هذه التحدي الطارئ. والمحصلة النهائية ستكون المزيد من تعزيز المصداقية والحرفية والمسؤولية عند الصحفي الممارس لأنه يعمل وفي ذهنه متلق يستطيع إعادة بناء الرسالة وتوجيهها بحقائق جديدة غابت عنه أو تم إهمالها عمداً في غرفة تحرير الأخبار.