أثار اتفاق تبادل اليورانيوم الذي وقعته إيران مع تركيا والبرازيل ردود فعل واسعة في إسرائيل تراوحت بين الخشية والغضب. وتسابقت الصحف وكتابها السياسيون للتعليق على الحدث، غير أن الجميع اتفق على وصف الاتفاق ب "الحيلة الإيرانية" لتجاوز العقوبات. في صحيفة "هآرتس" كتب المعلق السياسي باراك رابيد تقريراً بعنوان "الاتفاق الإيراني التركي قد يعرقل العقوبات" قال فيه إن إسرائيل امتنعت حتى يوم أمس عن التعليق رسمياً على الاتفاق بين إيران وتركيا والبرازيل حول مخزون اليورانيوم المخصب لدى طهران ، كما صدرت توجيهات من مكتب رئيس الحكومة نتنياهو لجميع الدوائر السياسية بالامتناع عن الإدلاء بأي تصريح حتى إشعار آخر ، وأكد المكتب بأنه سيصدر تعليق رسمي خلال الأيام المقبلة. وقال المعلق السياسي إن مصادر سياسية في تل أبيب - فضلت عدم ذكر هويتها- أرجعت سبب هذا الصمت الرسمي الى رغبة إسرائيل بالانتظار لرؤية رد الدول الكبرى في الغرب ، وكيف سيكون. وأكد التقرير أن مخاوف إسرائيل نابعة من أن تكون هذه الخطوة الإيرانية ليست إلا حيلة لتعطيل فرض العقوبات ضدها في مجلس الأمن ، وتشجع الصين وروسيا على التشدد في تحفظهما على تشديد العقوبات الآن. صحيفة “يديعوت احرونوت” نشرت من جانبها تقريراً مطولاً لمراسلها في واشنطن بعنوان “رغم الخوف من العراقيل.. الغرب سيواصل سعيه لفرض العقوبات”. وجاء في التقرير “إن الدول الكبرى لم تتأثر بالخطوة الإيرانية بموافقتها على نقل 1200 كيلو غرام من اليورانيوم المخصب الى تركيا. بل لا زال معظم الأعضاء في مجلس الأمن الدولي يميلون لفرض عقوبات على طهران. وأكدت الإدارة الأميركية وبتأييد فرنسي وبريطاني أنها تعمل لدفع مجلس الأمن نحو العقوبات. وأكد عدد من الدبلوماسيين الغربيين في واشنطن بأن المناقشات حول العقوبات لا زالت مستمرة”. أما المعلق السياسي رون بِن يشاي في نفس الصحيفة فكتب مقالاً بعنوان "إيران ترقص السامبا" قال فيه “من الصعب عدم الانفعال من الطريقة التي نجحت بها القيادة الإيرانية في تسخير الدبلوماسية الدولية لصالح برنامجها النووي، فقد سمحت أول من أمس لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس البرازيل لولا دا سيلفا، بالحصول على - كوبون تخفيض – باهظ، على حساب الولاياتالمتحدة ، وفي المقابل تقوم من خلالهما بعرقلة قرار فرض العقوبات عليها في مجلس الأمن، كل ذلك من دون المس ببرنامجها النووي. إيران ربحت بالفعل كثيرا من صفقة (اليورانيوم مقابل الوقود النووي)، والتي بادرت بها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وبعد ذلك تراجعت، ووضعت شروطا جيدة، ثم وافقت مجددا بالأمس ولكن بصيغة جديدة، بوساطة كل من البرازيل وتركيا. أما المكسب الرئيسي فهو الوقت، سبعة أشهر غالية من أكتوبر 2009 حتى اليوم، بدون عقوبات، نجحت خلالها في تطوير بنية تحتية لتخصيب اليورانيوم ولتطوير السلاح النووي دون أن تدفع ثمناً اقتصادياً واحداً في المجتمع الدولي، وهذا ليس كل شيء، من المعقول أن نفترض الآن وبعد التوقيع على الصفقة بوساطة تركية – برازيلية، أننا سنكون أمام تأجيل جديد في بلورة خطة العقوبات التي سيتم تقديمها لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.” وتابع المعلق يقول “ تفاصيل الاتفاق الجديد ستعلن تقريبا بالكامل الأسبوع المقبل، حين يتم عرضه رسميا أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، ووقتها فقط سيتمكن الخبراء في الوكالة الدولية وفي الدول الكبرى من فحصه بعمق والرد عليه رسمياً، وحتى لو توصلوا إلى نتيجة بأن الأمر يعتبر مجرد خداع، فمن المتوقع أن يبدأ جدال كبير بين الدول الكبرى في الغرب وبين روسيا والصين، بالإضافة إلى تركيا والبرازيل حول شروط تطبيقه، وحول المطالب الإضافية التي يجب ان تقدم إلى طهران ، وهذا الجدال سيؤدي بطبيعة الحال الى تأجيل آخر لمدة أشهر في عقوبات مجلس الأمن”. وخلص الكاتب الى القول "حتى لو لم يتطلب الاتفاق الجديد بين رئيس البرازيل ورئيس الوزراء التركي والرئيس الإيراني تعديلات جديدة، وكانت إيران على استعداد لتنفيذه كما هو، فهو مازال سيئا، لأنه لا يحتوي على ما يمكنه عرقلة البرنامج النووي الإيراني، وذلك لأن الاتفاق الذي ستتخلى إيران بمقتضاه عن 1200 كيلو غرام من اليورانيوم المخصب بدرجات منخفضة مقابل الوقود النووي لدواع سلمية، والذي ستنتجه روسيا وفرنسا لصالح مفاعل الأبحاث في طهران، لا يمنع إيران من مواصلة توسيع وتحسين البنية التحتية الخاصة بتخصيب اليورانيوم على أراضيها”. أما صحيفة “إسرائيل اليوم” فكتبت تحقيقاً مطولاً للتعليق على الاتفاق الإيراني - التركي - البرازيلي وعنونته بالخط العريض “اتفاق استمرار الاحتيال”. وقالت الصحيفة إن برنامج إيران النووي تقاطع مع طموحات تركيا والبرازيل لتقوية موقعها على الساحة الدولية. ومضت تقول “إن الاتفاق الذي سحبت به إيران رفضها اقتراح التبادل في أكتوبر الماضي ينطوي على فخ. صحيح أنها وافقت على نقل 1200 كيلو غرام من اليورانيوم منخفض التخصيب الى تركيا ، لكنها لا تزال تملك ما يعادل هذه الكمية على أراضيها بحسب ما قاله وزير خارجيتها أول من أمس ”. وقالت الصحيفة إن هذه الخطوة الإيرانية أربكت الغرب ، فعلى رغم من وصف البيت الأبيض الاتفاق ب “الخطوة الايجابية” إلا أنه حذر في الوقت نفسه من أن إيران ما زالت تملك القدرة على تخصيب اليورانيوم على أراضيها ، وما زال عليها أن تثبت أن عمليات التخصيب هذه ليست لأهداف عسكرية. أما الرئيس الروسي ديميتري ميدفيدف فرحب بالاتفاق إلا انه أعرب عن قلقه بأن يكون أقل من توقعات المجتمع الدولي بحسب الصحيفة. وجاء في التقرير أيضاً أن وزارات الخارجية في لندن وبرلين أوضحت أن الاتفاق الأخير لن يكون بديلاً لما سبق أن اقترحته الوكالة الدولية على إيران. ونقلت الصحيفة عن المسؤولة عن ملف الخارجية الأوروبية كاترين اشتون قولها إن الاتفاق غير كافٍ. أما موقع "تيك ديبكا" الإسرائيلي المتخصص بالشؤون الأمنية فنشر تقريراً مطولاً حول الاتفاق، أكد فيه الحيلة الإيرانية، وأنه ليس إلا تهميشاً لدور الولاياتالمتحدة في هذا الملف الخطير. وجاء في التقرير "نجحت إيران و البرازيل و تركيا، وروسيا، في تهميش الولاياتالمتحدة وضمنت هذه الدول استمرار البرنامج النووي الإيراني، وكذلك إلغاء فرص فرض العقوبات. وتأتي الخطوة بهدف تمكين إيران من مواصلة برنامجها النووي دون إزعاج، ورفع خطر فرض العقوبات عليها، وإقامة كيان معادٍ للولايات المتحدة يتكون من (روسيا، البرازيل، تركيا، وسورية)، وينضم إليه أعضاء آخرون هم "حزب الله" و"حماس". وقد وصل الأمر لذروته حين وقع الرئيس الإيراني والبرازيلي ورئيس الوزراء التركي في طهران على اتفاق نقل كمية من اليورانيوم منخفض التخصيب لتركيا لإعادة تخصيبه بدرجة مرتفعة”. ونقل الموقع عن مصادره العسكرية الخاصة تأكيده أن ما حصل ليس عملية خداع دبلوماسية ، وأرجعت ذلك الى سبعة أسباب فصلها التقرير بالشكل التالي: "1- لا تمتلك تركيا الوسائل أو التكنولوجيا التي تضمن أن كميات اليورانيوم التي سيتم تخصيبها لدرجات مرتفعة أكثر. لأن هذه التكنولوجيا توجد فقط في روسيا وفرنسا، وقد رفضت إيران إرسال اليورانيوم إليهما. "2- كل ما على الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان فعله، هو ضمان تخصيب 1200 كيلوغرام من اليورانيوم الإيراني سيتم نقلها إلى تركيا لدرجات مرتفعة أكثر، بينما إيران من جانب آخر تقوم بهذه الخطوة بالفعل في مفاعلاتها النووية، أي أن تخصيب اليورانيوم في تركيا سوف يحفز من تحسين درجات تخصيب اليورانيوم الإيراني لمستويات أعلى ولكن بطرق مختصرة، لا تستمر أكثر من بضعة أسابيع من أجل توصيل هذه الكمية إلى مستوى تخصيب يصل إلى 90٪، أي للاستخدام العسكري. "3- مع الوضع في الاعتبار العلاقات التي تأخذ الطابع الإستراتيجي بين تركيا وإيران وسورية، لا يوجد أي مصدر يعرف بالضبط كم كيلوغراماً من اليورانيوم الإيراني المخصب نقلت بالفعل من إيران إلى تركيا، حتى لو كان الاتفاق يشمل تشكيل آلية للإشراف الدولي على خطوة النقل والتخصيب، من الممكن توقع أن طهران وأنقرة سوف تفرضان قيودا على هذا الإشراف، بزعم أنه يمس بالسيادة التركية - الإيرانية. "4- المفاوضات حول تخصيب 1200 كيلوغرام من اليورانيوم بين الدول الكبرى بالإضافة إلى ألمانيا بدأت منذ أكثر من عام، ولا يوجد أحد في الغرب لا يعلم أي كمية يورانيوم أخرى نجحت إيران في تخصيبها منذ هذه الفترة في المفاعلات العلنية والسرية في إيران، بمعنى أنه حتى لو تم نقل 1200 كيلوجرام من اليوراينوم المخصب إلى تركيا، سيظل في إيران كميات من اليورانيوم المخصب التي سوف تزداد شهرياً. "5- المفاوضات حول اليورانيوم المخصب مع إيران تعتبر خطأ رئيسياً من البداية لإدارة الرئيس باراك أوباما، فبينما ركز المجتمع الدولي على مسألة اليورانيوم المخصب، لم يطرح أي طرف في المفاوضات الملفات الخاصة بتطوير السلاح النووي والصواريخ التي تحمل رؤوساً حربية نووية في إيران، وهي الصواريخ التي يواصل الإيرانيون تطويرها حتى اليوم دون إزعاج. "6- مع توقيع الاتفاق في طهران، تبددت الآمال نهائيا بأن يفرض مجلس الأمن عقوبات من أي نوع على إيران، بالعكس، الآن ستطالب إيران أيضا بأن يتم رفع العقوبات التي فرضت عليها في الماضي، وبلا شك، ستقول أنه يجب أن يتم رفع القبعات أمام الدبلوماسية الرائعة لإيران، والتي نجحت في إبعاد خطر العقوبات عنها. 7"- يجب الوضع في الحسبان أن إيران والبرازيل وتركيا لم يقوموا بهذه الخطوة من تلقاء أنفسهم، ولكن من خلف الكواليس كان هناك تأييد ودعم من موسكو، فالتنسيق الأخير بين هذه الدول حدث في نهاية الأسبوع الماضي في دمشق، حين وضعت النقاط على الحروف حول الخطوة الإيرانية – التركية – البرازيلية من خلال الرئيس بشار الأسد الذي نسقها مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف، والذي كان بدوره على اتصال دائم برئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين".