حذر وزير الخارجية التركي السيد (أحمد داود أوغلو) في حوار مع جريدة الحياة بتاريخ (4/ مايو / 2010) من خطر الانقسام المذهبي في العراق ولبنان وعموم منطقة الشرق الأوسط .. ودعا " إلى عدم اعتماد سياسات مذهبية أو أثنية ..لا أحد يمكنه أن يغير عرقه .. الله خلقنا إما عربا أو أتراكا أو إيرانيين أو أكرادا ، لا يمكننا تغيير ذلك .. ولذلك فإن السياسة يمكن تغييرها ، لكن الأثنية لا يمكن تغييرها .. الاعتقاد يمكن تغييره ، ولكن لا يمكنك أن ترغم الجميع على تغيير معتقداتهم الدينية ، فهم إما مسلمين ، سنة أو شيعة أو مسيحيين .. ولذلك فإن علينا ألا نعتمد سياسات مبنية على أساس عرقي أو ديني ، بل علينا اعتماد سياسات وطنية أو إنسانية .. الهوية العراقية مثلا يجب أن تكون أكثر أهمية من أن يكون الشخص سنيا أو شيعيا ، وإلا فإنه ستكون هناك دائما مواجهات وتوترات في العراق ..في منطقتنا ، نحن ضد أي مواجهة سنية – شيعية " .. الخطر الذي يتهدد الأوطان واستقرارها ، ليس من جراء التعددية المذهبية أو الطائفية ، بل هو من جراء سياسات التفريق والتمييز التي تعمل على تفتيت المجتمع والوطن على أسس طائفية ومذهبية مقيتة إننا نعتقد أن هذه الرؤية التي قدمها السيد أحمد داود أوغلو ، تساهم في إخراج العراق ومنطقتنا من الكثير من عناصر التوتر التي تفضي إلى نزاعات وحروب مذهبية وطائفية ، تهدد استقرار الجميع ، وتُخضع المنطقة برمتها إلى الهيمنة الأجنبية ، التي من مصلحتها الاستراتيجية ، استمرار حالة الانقسام والتشظي في الدائرتين العربية والإسلامية .. فالخطوة الأولى في مشروع صياغة القوة العربية والإسلامية ، لمواجهة تحديات ومخاطر المرحلة ، هي رفض الانقسامات المذهبية والطائفية ، والعمل على تبني سياسات وطنية وإنسانية ، لا تفرق بين المواطنين ، وإنما تعمل عبر السياسات والبرامج والمشاريع على استيعاب الجميع على قاعدة المواطنة الجامعة .. وإننا كعرب ومسلمين ، بدون الخروج من مآزق الانقسامات الطائفية والمذهبية ، لن نتمكن من مواجهة تحديات واقعنا ، ولن نتمكن من الوصول إلى حقوقنا المشروعة .. فقوتنا الحقيقية وهيبتنا الواقعية ، مرتبطتان بشكل أساسي في قدرتنا على إيجاد حلول ناجعة لمشكلاتنا المذهبية والطائفية التي بدأت تستشري في كل جسمنا العربي والإسلامي.. وإن استمرار السياسات الطائفية والمذهبية سواء في العراق أو لبنان أو أي منطقة عربية وإسلامية ، لن يفضي إلى الأمن والاستقرار ، وإنما إلى المزيد من خلق مبررات ومسوغات الانقسام الأفقي والعمودي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية .. فالسياسات الفعالة والمؤثرة ، لا تبنى على قاعدة إدامة التشظي المذهبي في المنطقة ، وإنما في استيعابها وتجاوزها بسياسات وطنية وإنسانية ، لا تفرق بين المواطنين ، وتعمل على إشراك الجميع في تحمل مسؤولياتهم الوطنية والقومية .. فالطريق إلى استقرار العراق وغيره من بلداننا العربية والإسلامية ، ليس في استمرار نهج المحاصصة الطائفية ، وإنما في العودة إلى الهوية الوطنية العراقية ، التي تجمع وتستوعب العراقيين بصرف النظر عن مذاهبهم وطوائفهم .. فالعراق لكل العراقيين ، ولا تستقر أوضاعه الأمنية والسياسية ، إلا بمشاركة جميع الطيف العراقي في عمليات البناء وإدارة الشأن العام .. وما نقوله بحق العراق ، ينطبق على أي بلد عربي وإسلامي .. فالاستقرار يبنى بتكاتف الجميع ، ومنع كل الممارسات التي تفرق بين الوطن الواحد على أسس طائفية أو مذهبية .. فالخطر الذي يتهدد الأوطان واستقرارها ، ليس من جراء التعددية المذهبية أو الطائفية ، بل هو من جراء سياسات التفريق والتمييز التي تعمل على تفتيت المجتمع والوطن على أسس طائفية ومذهبية مقيتة .. فالتعدد المذهبي والطائفي ، ليس حالة مضادة للمواطنة ، بل هو الجذر الثقافي والاجتماعي لبناء مواطنة حقيقية بعيدا عن الشعارات الشوفينية واليافطات الشعبوية والعدمية .. فاحترام التعدد المذهبي وحمايته القانونية والسياسية ، هو الذي يوفر الشروط المجتمعية الحقيقية لبناء مواطنة متساوية في مجتمع متعدد مذهبيا وطائفيا .. وإن خيارات الاستئصال والتغييب لهذه الحقيقة ، لا تنتج على الصعيد الواقعي ، إلا المزيد من التوترات المذهبية والطائفية .. وإصرار الجميع على عناوينهم الفرعية ، دون التمسك بأهداب المواطنة الجامعة ، أيضا يؤدي إلى المزيد من التشظي والتفتت الأفقي والعمودي .. فالمقاربة الفعالة والتي تخرج المنطقة العربية والإسلامية ، من خطر الانقسام المذهبي والاحتراب الطائفي ، هي في تبني الخيارات والسياسات الوطنية ، التي تعتمد على مبدأ المواطنة الجامعة في كل شيء .. أما المقاربات والسياسات والخيارات ، التي تعمل على التغييب القسري لهذه الحقائق ، أو تعلي من شأن انتماءات ما دون المواطنة الجامعة ، فإن محصلتها النهائية ، هي إضافة عناصر جديدة لإدامة التوتر والانقسام ، وجعل المنطقة برمتها مكشوفة على مخاطر وتحديات جسيمة .. ولكي ترتفع العناوين الفرعية عن دوائرها التقليدية وكياناتها الذاتية إلى مستوى المواطنة الجامعة ، فهي بحاجة إلى عوامل موضوعية وسياسية ، تساهم في إشراك هذه العناوين في بناء وتطوير مفهوم الوطن والأمة .. ولقد علمتنا التجارب العربية والعالمية أن التعامل القهري مع التعدديات المذهبية والطائفية ، لا ينهي الأزمة ، ولا يؤسس لمفهوم حديث للوطن والأمة ، وإنما يشحن المجتمع بالعديد من نقاط التفجر والتوتر ، ويدفع هذه التعدديات إلى الانكفاء والانعزال ، وبهذا تتراجع حقيقة ومشروع المواطنة الجامعة .. فالأمن الشامل والدائم ، هو وليد العدل السياسي والاجتماعي والاقتصادي .. وإن الاستقرار السياسي والمجتمعي ، القائم على احترام تعدديات المجتمع وتنوعه الفكري والسياسي ، هو الذي يؤدي إلى نضوج خيار التمازج والتداخل والتواصل المتبادل بين مجموع تعبيرات المجتمع والوطن .. وإن تحصين أوطاننا جميعا ، من مخاطر الانقسام المذهبي والاحتراب الطائفي ، يتطلب العمل بشكل سريع على الانفتاح والتواصل مع جميع التعدديات ، والإنصات إلى همومها وآمالها ، والعمل على تفكيك عناصر الاحتقان والتوتر وصياغة أنظمة وتشريعات ، تستند إلى مبدأ المواطنة مع الاحترام التام لكل التعدديات الموجودة في الفضاء الثقافي والاجتماعي .. فاستمرار التوترات المذهبية والطائفية ، لا يخدم إلا أعداء الأمة وأوطاننا .. وإن المصلحة الوطنية والقومية والدينية ، تقتضي من جميع الأطراف الرسمية والأهلية ، العمل على معالجة جذور التوترات المذهبية والطائفية ، وبناء رؤية وطنية وإسلامية متكاملة ، في الطريقة الحضارية المناسبة للتعامل مع واقع التعددية المذهبية الموجود في أغلب أوطاننا ومجتمعاتنا العربية والإسلامية .. فلنقفْ جميعا ضد الفتن الطائفية والمذهبية ، ولنعمل على تنقية فضائنا السياسي والثقافي والاجتماعي من كل العناصر التي تساهم بشكل أو بآخر في استمرار التوترات المذهبية ..فالمصلحة العليا لأوطاننا ومجتمعاتنا ، تقتضي الوقوف بحزم ضد كل من يساهم في إثارة الفتن الطائفية ، أو التمييز والتفريق بين أبناء الوطن الواحد على أسس طائفية ومذهبية.