فجأة يتوقف الصخب .. تموت الكلمات .. ويغيب الحضور .. ستارة كونية عملاقة تنسدل بسرعة لتضع حدا فاصلا بين قلوب متلهفة وامنيات مستحيلة .. هذا هو الفراق.. وجع يفترش مساحات الادراك ويتخطى حدود الاحتمال .. عادة يقطعها المنع .. وفطام قسري قبل الاوان .. انها نفس اللعبة القديمة الجديدة .. عطايا الدنيا التي لا تكف عن العبث .. تمنحك بيمينها ازهى الاحلام فتتعلق بها وتركض وراءها وتصالح من اجلها الارض والسماء .. ثم حين يعن لها تسحب عطاياها وتتركك فاقدا للتوازن توشك ان تقع ذهولا .. تسأل لماذا ؟ شبكة صيد ملونة .. مزخرفة .. يلقيها صياد ماهر يحسن التقاط الاماني ويجيد العزف على اوتار الاحتياج .. يعرف تماما اين يلقيها ومتى يعاود لملمتها بصيده الوفير من الخيبات والحسرات والالام والوجع .. حين كنا اطفالا وقرأنا للمرة الاولى سورة الكهف عصر قلوبنا قول الرجل الصالح لموسى عليه السلام "هذا فراق بيني وبينك" وقلنا لو انه صبر ..؟ كنا نرغب في المزيد لكن لما كبرنا عرفنا ان هناك دائما حدا تقف عنده الاشياء وكان علينا ان نرضى بأن يكون الفراق احدى ركائز الحياة التي لا تستقيم الامور بدونها والتي - للمفارقة - تنهار الامور ايضا بها ..! تعلمنا أن الفراق ضروري من اجل أن تكتمل دورة الحياة .. اناس تولد واناس تموت ..البعض يسافر والبعض يعود .. حب يولد وآخر يموت .. تعلمنا ان نصبر على لوعة الوليد حين يفطم وقلنا سينسى .. تعلمنا ان نفارق من نحب حين يغيبهم الثرى أو بعد المسافات .. فمتى اذن نتعلم ان نصبر على ألم الفراق حين نختاره بارادتنا وحين يكون حلا قهريا تفرضه الحياة ؟ في الحديث القدسي يقول الله عز وجل : "ياابن آدم عش ما شئت فانك ميت، واحبب من شئت فانك مفارقه، واعمل ما شئت فانك مجزى به " رزقنا الله واياكم حسن الصبر وهون علينا ما ينقض الظهر وخفف وقع كل فراق الى ابد الدهر.