(لا شيء أبكي عليه سوى دمعة قلبي)عبدالعزيز المشري عبدالعزيز المشري ، جنوبي جذبته الشرقية لها ، الساحرة الفتية في بدايات النفط وتدفقه .تنادي الشباب للعمل والرزق ، الشرقية فجرت ينابيع قلبها عطاء .تلك التي تنادي : الذهب أسود يحتاج سواعد سمراء . قطعة من حركة وعمل ونشاط ، الشرقية التي سحرت الكثيرين ، ورحل لها الكثيرون ، وصارت مجتمعا متعدد الأشكال بداوة وحضرا ، شمالا وجنوبا يحفه وسط ، في داخلها ينصهر الوطن ..! تلك المجتمعات أسست للفكر المتلاقح وأتت بالشعر والفن الجنوبي ليتلاقح باليامال البحري مع أحفاد امرئ القيس وقيس بن الملوح . الشرقية التي ارتحل لها الجنوبي العاشق (المشري) في بعده المكاني عن الجنوب توالد الجنوب في داخله ، وراح يعزف قيثارة العشق ، نبض قلمه مسطرا للجنوب نثرا وشعرا ولونا ، يقدم لنا الجنوب ، يجعله يتحرك أمامنا يبسطه أمامنا وكأننا نستنشق رائحة زهر الجنوب ونصعد أعالي الجبال .. ومن ورد عصابة على شعر الرجال توجه العطر ففاح على الوطن... حكايات الجنوب ، وهسهساته شجرة ، ورائحة القمح .. كل ذاك قبضه (المشري ) في يديه ونثره على الوطن ثم العالم العربي . وكأنه د.الطيب صالح . وهو يقدم لنا السودان ويعرّفنا به عبر رواياته (موسم الهجرة للشمال )،(ودومة ود حامد )، و(عرس الزين) ..إلى آخر رواياته . إذا فردنا روايات (المشري) ورأينا من خلالها فسيفساء من ورد الجنوب ..(السروي ، وأحوال الديار وبوح السنابل ) وغيرها الكثير ..حيث نقل لنا ريح الكادي ومع ريح الكادي التجديد في القصة والرواية ، واللغة التي تغزل من الشمس لونها ونورها . أحدث المشري في اللغة حركة تغيير ، وصوّر المكان ليس كما يصور المصورون لكنه حرّك المكان وطار به عبر لغة رفرف بها من الجنوب للشرقية ومنها للعالم العربي ، وخاصة مصر .. هذا الذي لم يستسلم للمرض ، وأخرج من الألم درر الكلام ودرر اللون ، فكان متعدد الإبداع ما بين سرد وشعر ومن ثم الرسم ، ولازلنا نذكر قصته ( الزهور تبحث عن آنية ) كما أذكر أن الفنانة منيرة الموصلي عبر ريشتها حولت إحدى لوحاته إلى لوحة فنية بديعة .. غادرنا المشري سريعا لم يمهله مرض السكر الذي أفسد كليتيه ومن ثم جسده ككل .وجعله خيال جسد ولكن الروح بقيت صامدة حتى حررها الله من الجسد . المشري مبدع رسم من ألمه ، حروفا تتعانق لتكون إبداعا يذكّرنا به دوما ، لم نقرأ جديده لكن حرفه الباقي يتجدد ، رحم الله المشري . ليبقى الجنوب مزهرا وسنابله تنطق حكاية عشق التربة للجذر.. (من صمتي الراكد لا تغضبي!! اقرئي سحنة وجهي أنت لا تدرين لا شيء أبكي عليه سوى دمعة قلبي)