لعلني أستطيع القول دون دراسة أو إحصاء دقيقين أن الناس في بلادنا يميلون إلى التمسك بالشكل القديم للحذاء فما أن يقترب فصل الصيف إلا ووجدنا سيل الإعلانات المصوّرة الملوّنة لبضاعة الطراز القديم للحذاء . ويسميه البعض بالنعال النجدية ، والبعض الآخر ب " نعال زبيري "، وصار يرد بكثرة من الباكستان والهند . ولن أُشخّص مدى راحة القدم للانتعال عندنا ، خصوصا مع إلزام إبهاميْ الرجلين بالدخول في حلقة كالخاتم ، أو هي كالطوق الضّيق ، وظهور الأصابع الأربع الأخرى عارية تستقبل أيّ صدمة . وأهمية الحذاء والانتعال ذات تاريخ عريق في الجزيرة العربية ويكاد لا يقل أهمية عن الماء والزاد وقد وُفق شاعر شعبيّ بوصف حالة من لا يملك الحذاء بأنه كمن لا يملك الزاد (الزهاب) والماء (الصميل) حيث قال : - روّحوا واقفوا مع الحزم رجليّه لازهاب ولا صميلٍ ولا نْعالِ وأتفق بقوة مع ما سمعتُهُ من طبيب يعتني بالسكر وتحركات كبار السن حيث قال: إن الأحذية التي دأب السعوديون على استعمالها ويقصد المشرّكة أو النجدية أو ذات الإبهام ، غير صحيّة بتاتا . فالطرق والممرات والأرصفة خارج البيت غير متوازنة المستوى ولا مُتماثلة ولا مُنتظمة . كذلك تكثر فيها الشظايا من أخشاب وحديد ورقاقات مجهولة العنصر والمصدر ، وتكمن هذه الأشياء الجارحة والقاطعة دائما قرب المباني التي تحت الإنشاء . فإن اصطدم بها الإصبع على عجل فقد يطول علاجها . وكان العرب يلبسون حذاءً مُغطّى من الأمام (وهذا دليل حذرهم مما قلت) ، ويسمونه خُفّاً . وهو قويّ ولا يتأثر باصطدام القدم بشيء صلب قد يعترضها . ونسمع ترداداً لمثل يقول : رجع بخفّيْ حنين . ولعلها فائدة أن أذكر قصة حنين هذا . فحنين هذا هو اسم إسكافي ( صانع أحذية ) ، من أَهل الحيرةِ، ساوَمه أَعْرابيٌّ بخُفَّيْن فلم يَشتَرِهما، فغاظَه ذلك وعلَّقَ أَحَدَ الخُفَّيْنِ في طريقه، وتقدَّم وطرَحَ الآخَرَ وكَمَن له، وجاءَ الأَعرابيُّ فرأَى أَحَدَ الخُفَّيْن فقال: ما أَشْبَه هذا بِخُفِّ حُنَيْنٍ لو كان معه آخرُ اشْتَرَيْتُه فتقدَّم ورأَى الخُفَّ الآخرَ مطروحاً في الطريق، فنزلَ وعَقَلَ بعيرَه ورجع إلى الأوّل، فذهب الإسكافي براحِلتِه، وجاءَ الأعرابي إلى الحَيِّ بِخُفَّيْ حُنَيْن.