عندما كنا صغاراً كنا نجلس على عتبة الباب نتحدث في شؤون الكون. كان العالم في حمى التقدم. الاختراعات والإيمان بالمخترعات على أشدها. توالت في أيام طفولتنا صيحات المستقبل: زراعة أول قلب واختراع اكبر طائرة والوصول إلى القمر واكتشاف المضادات الحيوية والنظرية النسبية. كل واحدة من هذه الانجازات الخالدة ارتبطت باسم فرد خلاق ومبدع. كان هناك أبطال إنسانيون. رجال غيروا وجه الأرض إلى الأفضل والأجمل ووسعوا أفق الآمال. كنا نجلس على عتبة الباب نتبارى في الأسئلة. من هو مخترع المصباح الكهربائي؟ من هو مخترع الطائرة؟ من هو مخترع التلفزيون؟ من هو مكتشف الكهرباء؟ كل الأسماء أجنبية غربية وغريبة عنا. أديسون انشتاين وغيرهما . كنا نحبهم ونجلّهم لأنهم أضفوا على حياتنا السعادة وأنقذوا حياة كثير من أعزائنا. لم يلقنّا أحد أن نكرههم لأنهم يحملون أسماء مسيحية أو يهودية أو بوذية. كانت فترة جميلة من عمر الإنسانية. كان الصراع ضد الاستعمار,ضد الجهل ,ضد الفقر ,ضد المرض. كلمة إنسان سر التفوق وسر التقدم. تجاوزت الشعوب اختلافاتها وسمت إلى إنسانيتها وتضامنت. أسأل أطفالنا اليوم من هو مكتشف البنسلين؟ لا يعرف. لا يعرف أطفالنا اليوم أي شيء عن هذا العالم الذي يعيشون في خيراته. لا يعرف أطفالنا اليوم أنهم يعيشون في رفاهية بفضل هؤلاء الرجال العظام. من يتخيل أني في صيف الرياض الساخن أستطيع أن أنعم بنومة هادئة وكأني في سويسرا؟ من اخترع المكيف حتى أقول له مع كل غطة نوم شكرا. كنا نتضارب على قطرة ماء من زير المسجد. نشاهد الديدان تسبح. نضطر أن نصفي الماء بغترنا الوسخة. اليوم يأتينا الماء نقيا صحيا باردا كالزلال. من اخترع المنقي والثلاجة حتى أقول له مع كل جغمة ماء أشربها شكرا. إذا ارتفعت درجة حرارة ابني وبدأ يتقلب في جحيم السخونة أعطيه قليلا من خافض الحرارة فتهدأ روحه الصغيرة. من اخترع خافض الحرارة لأقول له شكرا لأنك أرحت طفلي. كل يوم قبل نهاية المباراة في سكك الرياض القديمة نفاجأ أن تدخل شظية زجاجة أو مسمار أو عظم مسنون في قدم أحدنا فنعالجه إما بحفنة من التراب أو نبول عليه. من اخترع المعقم والمضاد الحيوي لأقول له مع كل جرح يصيب ابني شكرا. مات أعزاء لنا. لم نكن نعرف أنهم ماتوا بسبب السكر أو بسبب الضغط أو تصلب الشرايين أو حتى بتسمم بسيط من قطعة خشب، من علمنا كل هذا وجعلنا نتقيه حتى أقول له شكرا وكثر الله من أمثالك؟ شاهدت يوم أمس الأول في جريدة الحياة صورة الجراح المصري(المسيحي) وهو يقف مع نساء سعوديات (محجبات) ضمهن إلى فريقه لصناعة قلب بشري بتقنية الخلايا الجذعية. لماذا لم ينشغل (كأطبائنا بالاختلاط)؟ لماذا لم ينتق الباحثات من بنات دينه؟ من حده على السعوديات المحجبات؟ أديسون آنشتاين ومجدي يعقوب علماء تجاوزوا أمراض الماضي وعصبيات التاريخ. صنعوا الحضارة التي نتمتع بخيراتها ولم يصنعوا الكراهية التي تهددنا كل يوم في عقر دارنا. هؤلاء من يستحقون لقب علماء؟ أليس كذلك؟