ذهب ضحىً إلى المسجد. لمَ لا وهو يوم الجمعة. لم تكن خُطبُ الإمام مشجعة ولكن الثواب ليس في جودة الخطبة. في ذلك اليوم خرج الخطيب عن عادته وتحدث عن حرمة دم الإنسان، وعِظَم ذنب القاتل. ثم أورد قصة ابنيْ آدم قابيل وهابيل. وما أن قرأ الخطيب الآية الكريمة "فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ" المائدة 31. حتى استوقفه الحدث! المعلم الأول غراب؟! ولمن؟ لابنِ الذي أجاب عما عجزت الملائكة عن الإجابة عنه. أليس الغراب نذير شؤم لدى العرب وغيرهم؟ يقول قيس بن الملوّح: ألا ياغرابَ البين لونك شاحبٌ وأنت بلوعات الفراق جدير أما شكسبير فقد نعت الغراب برسول الشر وفي أحسن الأحوال اعتبره الإغريق والفراعنة والمصريون نذير عواصف ورداءة طقس. هل هذه صفات المعلم الأول؟! ذهب لمكتبة القرية فوجدها مليئة بالكتب الصفراء التي لم تزده علماً. ومنها إلى المكتبة المركزية وأعياه البحث فسأل الشيخ غوغل فقال: يابني إن الغراب أذكى الطيور وأقدرها على التكيف. ويروي بعض أهل العلم أن للغربان قوانين تحمي الحقوق وتعاقب المعتدي، ولديها محكمة تنصف المظلوم وتقتص من الظالم. لم يصدق القروي أن الغربان فاقت واقعه. فقال هلا أوضحت؟ فرد الشيخ: لو اعتدى غراب بالغ على طعام فراخ الغربان لاجتمعت الغربان ونتفت ريشه لكي يبقى عديم القدرة كالفرخ بلا زغب. أما لو هدم العش فإنه يُعاقب بأمره بإعادة البناء. ولأن الغراب يحتفظ بزوجته مدى الحياة فلو اعتدى عليها غراب لاجتمعت عليه غربان الحي تنقره حتى الموت إذا ثبتت إدانته. فقال ياسبحان الله كنت أظن أن دور الغراب كمعلم انتهى بدفن قابيل لهابيل، فإذا به لايزال يمارس دور المعلم في العدل والتنظيم ولو استطاع أن يتحدث بلغة نفهمها لتحدى معاصريه أن يأتوا بمثل عدله.