يرفض بعض الأبناء وبشدة زواج والدتهم في حال وفاة والدهم، بل ان مسألة الموافقة تكون بعيدة عن الأذهان، ومستهجنة من غالبية أفراد المجتمع، خاصة أولادها والمحيطين بها، معتقدين أن نصيبها من العيش كامرأة قد انتهى عند هذا الحد، على الرغم من أن الشرع حث على السعي في إعفاف المرأة حتى يتحقق لها السكن النفسي الذي تتجمع فيه السعادة كلها. الأمراض النفسية يؤكد د.أحمد الغامدي اختصاصي الطب النفسي، أن المرأة بصفة عامة مرهفة الحس والمشاعر، ووجود الرجل في حياتها يمثل لها دعمًا نفسيًّا وإحساسًا بالأمان، وكل الدراسات التي أجريت على الأمراض النفسية ومنها الاكتئاب والقلق والفصام، أثبتت أن غيرالمتزوجين أكثر عرضة لها من المتزوجين، وخصوصاً المرأة المتوفى زوجها أو التي انفصل عنها، مشيراً إلى أن الزواج في تلك الحالات مفيد جدًّا من ناحية الصحة النفسية ، وأن حياة المرأة بمفردها تسارع بظهور علامات الشيخوخة، وتعمل على تدهور حالتها الصحية بصفة عامة. ميزان الشرع وعن الأثر النفسي لزواج الأم على الأولاد، يعلق د. الغامدي قائلا: إنه يختلف من شخص لآخر، وليست له قواعد محددة، ويتحكم في ذلك تفهم الأبناء لحالة والدتهم، ومدى احتياجها للزواج، وكذلك وضع زوج الأم نفسه من حيث التكافؤ في السن والحالة الاجتماعية، ومدى تقبلهم له، مطالباً بوزن هذه الأمور بميزان الشرع وليس بميزان العادات والتقاليد والوضع الاجتماعي. حبي الشديد لها يمنعني ويرفض "ص. س" 35 عامًا، مجرد التفكير في إمكانية زواج أمه بعد أن توفي والده، ويعلل ذلك قائلا: إن رفضي ليس من باب الأنانية، وإنما بدافع حبي الشديد لها، فهي بالنسبة لي رمز كبير، وليس من السهل أن أراها تعيش مع رجل آخر بعد وفاة أبي، متسائلاً: لا أدري كيف سيعاملها هذا الزوج؟ فقد كبرنا في ظلها، وكانت بالنسبة لنا الحصن المنيع، ومن واجبنا أن نرعاها ونلبي طلباتها ونكون بجوارها، ولا نجعلها تحتاج لغيرنا حتى لو كان زوجًا. لا أتخيل والدتي متزوجة ويقول "خ .القحطاني" :22 عاماً، إنه من الصعوبة عليه أن يرى والدته التي تجاوزت سن الخمسين عاماً، مع زوج آخر، فالمجتمع لا يرحم وسيلوم الأبناء بتقصيرهم تجاه والدتهم، بالإضافة إلى أن الموضوع في زمننا أصبح صعباً، ولكن في الماضي كان سهلاً، فكان من الممكن أن تتزوج المرأة أكثر من مرة، والرجل كذلك، أما الآن فالوضع بالفعل صعب وخاصة أن الوضع المادي لأغلب الأسر يعتبر جيداً. مستشار أسري: المرأة كلما تقدم بها العمر كلما كانت في حاجة إلى من يرعاها أؤيد زواج والدتي وتؤيد "نورة .ف" 38عامًا، زواج الأم بعد تأديتها دورها على أكمل وجه تجاه أبنائها، لاسيما إذا كانت تعيش بمفردها، وتذكر أن والدها انفصل عن أمها منذ فترة طويلة، وكرَّست الأم حياتها لتربيتهم، متسائلة: ماذا ستفعل أمي بعد أن يذهب كل منا في طريق حياته؟ هل ستبقى في منزلها وحيدة وتحرم من العيش كإنسانة؟، مضيفةً من حقها أن تعيش حياة طبيعية، تجد فيها من يساندها، خاصة في هذه المرحلة من العمر، مشيرةً إلى أنها عرضت أمر الزواج على والدتها، لكنها أبت خشية "القيل والقال"، على الرغم من أن أبي اقترن بأخرى، ويعيش حياته بكل يسر وسهولة. يجرمون زواج أمهاتهم ويوضح الشيخ "سعد الفالح"، أن بعض الأبناء "يجرّمون" زواج آبائهم أو أمهاتهم في عمر متقدم، ويعتقدون أن هذا من العيب الاجتماعي، فأبناؤهم كبروا واستقروا، وإلى هنا يتوقف دورهم، مضيفاً ليس من حق الأبناء ممانعة زواج آبائهم بأي حال من الأحوال، مادام الأب أو الأم لديه القدرة على القيام بالحياة الزوجية، فكثير من الأبناء وخاصة الذكور يجدون حرجاً في زواج أمهاتهم، فما بالك لو كانت المرأة في سن الخمسين، حيث يعتقد غالبيتهم أنه زواج غير مبرر، بل قد يتصور البعض أنه من غير اللائق أن تتزوج المرأة مرة أخرى، فالأبناء ليس من حقهم تحريم ما أحل الله ابتغاء مرضاة الناس أسر متكافئة ومتكافلة ويعتبر "محمد الجريان" المستشار الأسري، أن المرأة كلما تقدم بها العمر، كلما كانت في حاجة إلى من يرعاها ويهتم بها، وأنها إذا وجدت من يخفف عنها وحدتها شعرت بالأمان والطمأنينة، متسائلاً: ما المانع أن تتزوج المرأة في تلك السن من شخص يشاركها أفراحها وأحزانها، ويعيد الثقة لها؟، مؤكداً أن في ذلك نوعًا من التكافل الاجتماعي الذي حث عليه الإسلام، وأن على الأبناء السعي لتزويج المسنين والمسنات؛ لما في ذلك من فائدة نفسية واجتماعية من عدة نواح، كأن يحس الفرد أنه لا يزال مرغوبًا فيه، موضحاً أن هذه الخطوة ستخفف من انتشار دور العجزة والمسنين، وتساعد على تكوين أسر متكافئة ومتكافلة. تقبل رفض الأطفال ويؤكد "محمد الجريان" أن الأطفال فقط هم من أستطيع أن أتفهم سبب رفضهم لزواج والدتهم، لأن الطفل قد يشعر بأنه يكاد يفقد الرعاية والاهتمام والحماية والأمان، أما الأبناء الكبار فلا أجد أي سبب يدفعهم لرفض زواج أمهم، لأنهم يكونون في عمر يمكنهم فيه الاعتماد على أنفسهم، وثانياً لأن دائرة حياتهم تتسع وعلاقاتهم تكثر واهتماماتهم تزيد، فيبتعدون تدريجياً عن عالم والدتهم، وإن كنت شخصياً أرى أن الأبناء يجب ألا يتمادوا في استغلال هذا الحق، لأنهم لا يعلمون عادةً طبيعة العلاقة الخاصة لوالديهم، ولا يدركون مدى قابلية كل منهما لمواصلة الحياة مع الآخر من عدمها. لماذا الأم بالذات؟ واستغرب "الجريان" رفض الأبناء زواج والدتهم الأرملة، وأظن أن ما يحركهم في هذه الحالة أنانيتهم ورغبتهم في السيطرة والتحكم، إضافةً إلى المشكلة التي يعاني منها أغلبنا، وهي عدم الفهم الحقيقي والصحيح لمعنى الزواج، فأنا أعتقد أن الأبناء يرفضون زواج أمهم ويخجلون منه، لأنه في نظرهم ترجمة لعلاقة مادية غريزية مع رجل آخر، وإقدامها على الزواج هو تعبير عن حاجتها لهذه العلاقة، مضيفاً لا أدري كيف يمكن أن تهتز هذه المثالية في أمر حلال أقره الشرع، وأجدني أضطر هنا للتحدث بنفس هذا المنطق، وأتساءل: إذا سلّمنا مثلهم بهذه النظرة للزواج التي تحصره في نطاق الحاجة الغريزية، فلماذا يمنح الأب غالباً حق الزواج والسعي لإشباع هذه الحاجة، بينما تعلو الاعتراضات في محاولة لسلب هذا الحق من الأم؟