يمثل النصب في الأنشطة الاقتصادية كابوساً يؤرق الجهات الأمنية والعدلية على حد سواء.. خصوصاً وأن النصب كما النشاط العقاري يتشكّل عبر كيانات مؤسسية .. تملك من أساليب الاحتيال والتماهي عبر ثغرات القانون ما يجعل المشرعين في سباق دائم ولاهث لتسخير أدوات القانون في سبيل مكافحته أو الحد منه على الأقل. وتشكّل جريمة النصب خطراً يشل النشاطات الاقتصادية بأنواعها وعلى الأخص النشاط العقاري والذي يعاني من قلة التشريعات المنظمة التي تحمي أطرافه المتعاملين من باعة ومشترين وسماسرة .. وذلك خلافاً للدول المجاورة والتي أيقظتها شرارة النهضة العمرانية والسقطات الاقتصادية التي عانت منها بعض الكيانات الاقتصادية شرقية كانت أم غربية كالشارقة وأبو ظبي حيث يرى المتأمل على سبيل المثال لا الحصر إنشاء محكمة عقارية متخصصة .. توالي التشريعات ذات العلاقة بحماية أطراف العلاقة .. الشفافية والوضوح في التملك والذي أوجد حجية لا ينازعها شيء طالما تمت وفق الطرق المنصوص عليها قانوناً. النصب في ( العقار ) كما في غيره من الأنشطة الاقتصادية لا يكاد يختلف في ماهيته وطرقه إذ أشار رجالات القانون إلى أنه كل تدليس قصد به فاعله إيقاع شخص في غلط أو إبقاءه في الغلط الذي كان واقعًا فيه لحمله على تسليم مال في حيازته، وترتب عليه تسليم المال للفاعل أو لغيره سواء كان التدليس بالقول أو بالكتابة أو بالإشارة. فهو - كما في الأحكام الرائدة لمحكمة النقض المصرية - استيلاء على شيء مملوك للغير عن طريق الطرق الاحتيالية فيستخدم أساليب الغش والمخادعة الذي يؤدي إلى إيقاع شخص بالغلط يحمله على تسليمه مال في حيازته ولجريمة النصب عدة أركان : - الركن الأول : استعمال طريقة من طرق الاحتيال المحرّمة شرعاً أو المجرّمة قانوناً. - الركن الثاني : الاستيلاء على مال الغير كله أو بعضه وهي غاية هذا الجاني بارتكاب إحدى الوسائل الاحتيالية فهذا التسليم هو الهدف المنشود من وراء كل هذه الأكاذيب والادعاءات وجريمة النصب لا تكتمل بدون تواجد هذا الركن. - الركن الثالث : العلاقة السببية بين الاحتيال والاستيلاء على المال فالجاني يقوم بأعمال التدليس حتى يقع المجني عليه بالغلط الذي يحمله على تسليم المال إلى الجاني وعليه فإن العلاقة السببية هي حلقة الوصل بين أضلاع مثلث النصب. - الركن الرابع : القصد الجنائي ويتكون من علم وإرادة كمعظم الجرائم .. وهو ركن أساسي في كل جريمة .. فلو لم يتوافر في جريمة أو تم انتفاؤه فيها تغير الوصف التجريمي للفعل المجرم وفي جريمة النصب كذلك إذا لم يتوافر القصد الجنائي فيها فلا نكون أمام جريمة نصب . وقد نصت السوابق القضائية على أنه من المقرر أن جريمة النصب بطريق الاحتيال القائم على التصرف في مال ثابت ليس مملوكاً للمتصرف ولا له حق التصرف فيه لا تتحقق إلا بإجماع شرطين هما أن يكون العقار المتصرف فيه غير مملوك للمتصرف وألا يكون للمتصرف حق التصرف في ذلك العقار . وتتعدد الوسائل التدليسية للنصب - كما في بحث لطيف للمحامية الجزائرية مناني فرح - ومنها وهي الأهم في تعاطينا للنصب في المجال العقاري هي التصرف في مال لا يملك المتصرف حق التصرف فيه وجريمة النصب تقع بمجرد تصرف الشخص بهذا العقار فليس له حق التصرف فيه ببيع أو رهن أو هبة وغيرها من التصرفات وعليه قد يكون هذا الشخص له حق التصرف فيه ولكنه ليس المالك مثل الوكيل الذي يقوم بتسيير المال وإدارته فهنا لا تعد هذه الأفعال نصباً وقد يكون الشخص هو المالك لكن ليس له حق التصرف في المال مثل أن يكون المال محجوزا عليه ، إذن يشترط هنا لقيام النصب أن يكون التصرف في مال لا يملك المتصرف هنا حق التصرف سواء كان المالك او غيره ، أما إذا قام شخص بالتصرف بالمال وهو على اعتقاد أن له الحق بالتصرف به فلا نكون أمام جريمة نصب ولا يمنع من ذلك قيام المسؤولية عليه بالنسبة للآخرين . عموماً النصب جريمة كغيره من الجرائم لا يستقيم إلا بمطرقة القانون .. تلاحقه حيثما تشكّل هلامه ..! * قانوني