افتتح معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل صباح امس ندوة "نحو منهج علمي أصيل لدراسة القضايا الفقهية المعاصرة" والتي يرعاها معالي وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور خالد بن محمد العنقري، بحضور عضو هيئة كبار العلماء معالي الشيخ صالح بن محمد اللحيدان ووزير العدل الموريتاني السابق معالي الشيخ عبدالله بن محفوظ بية. وثمن معاليه في الكلمة التي ألقاها في حفل الافتتاح ما تلقاه الجامعة من دعم وتوجيه من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وحكومته الرشيدة، الذين لم يألوا جهداً في سبيل دعم الجامعة بكل ما تحتاج في سبيل تحقيق رسالتها النبيلة وأهدافها العظيمة التي أنشئت من أجلها. وقال: إن جامعة الإمام قامت لخدمة العلوم الشرعية والعربية والعناية بها ونشرها وفق منهجٍ علمي صحيح ومبدأ سليم، وكل ذلك من منطلق الشريعة الإسلامية وأصولها ومن منهج النبوة الذي لا غلو فيه ولا جفاء ولا إفراط ولا تفريط، بل يحقق الغاية المطلوبة لأن الشريعة جاءت شاملة، صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان وأمة، وهي مستمرة وستبقى عزيزة كريمة إلى قيام الساعة، ومن هنا جاء أثر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ودورها لتحمل الرسالة السامية والغاية النبيلة في خدمة الوطن الغالي وخدمة أبناء الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها. مضيفاً أن هذه الندوة التي يحضرها المتخصصون في الفقه سواء من داخل الجامعة أم من خارجها تعد ثمرة لجهود الجامعة ومنهجها الوسطي المعتدل وسعيها الحثيث لخدمة الدين والأمة حيث تتناول موضوعات مهمة تتعلق بالمتغيرات والتحولات الكبيرة التي يشهدها العالم التي نتج عنها الكثير من النوازل التي تحتاج لتطبيق الأحكام الفقهية عليها من منطلقات شرعية سليمة. وأشار معاليه إلى أن الجامعة خططت بشكل متأن لهذه الندوة وبالتالي فالمأمول أنها ستثمر خيراً وتحقق نجاحاً باهراً يتوازى مع أهمية الندوة وما تتناوله من محاور مهمة ومع الجهد المبذول في الإعداد لها. من جانبه أشار نائب رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر رئيس مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة الدكتور عياض بن نامي السلمي في كلمته أن المركز إحدى الغراس الطيبة التي غرستها الأيادي الأمينة في منبت خصب وتعاهدتها بالرعاية والعناية حتى بدت تؤتي أكلها وتحقق أهدافها، ونوه إلى أنها إحدى غراس أيدي معالي وزير التعليم العالي الذي اختار لها هذه الجامعة العريقة التي خدمت الفقه الإسلامي على مدى أكثر من نصف قرن وهي تحقق هذه الأيام إنجازات كبيرة على مستويات متعددة بقيادة معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور سليمان أبا الخيل، ساهم في ذلك فضل الله ثم بفضل الدعم الكبير الذي تلقاه من قيادتنا الرشيدة هذه الجامعة التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة في تناغم فريد لا يطغى فيه جانب على آخر. وبين إلى أن المركز حين وضع خططه جعل من أهم أهدافه الاهتمام بمنهج البحث الفقهي في القضايا المعاصرة، وأكد أن هذه الندوة تسعى لتحقيق هذا الهدف. وأوضح الدكتور السلمي أن عدد البحوث المقدمة إلى اللجنة العلمية بلغ 49 بحثاً أخضعت للتحكيم وأجيز منها 30 بحثاً بصفة نهائية وتم نشرها في السجل العلمي للندوة الذي طبع ورقيا في ثلاث مجلدات بلغت صفحاتها أكثر من 1600 صفحة، كما تم نشرها الكترونيا وسيضعها المركز على موقعة الالكتروني تعميما للفائدة. وفي ختام كلمته رفع الدكتور السلمي شكره وتقديريه للقيادة الرشيدة على ما هيأته من سبل التفقه في الدين بإنشاء هذه الجامعات والمراكز البحثية والمعاهد العليا التي عمت أرجاء الوطن، كما شكر معالي وزير التعليم العالي على رعايته الكريمة لهذه الندوة، وشكر معالي مدير الجامعة الذي يقف وراء كل إنجاز في هذا المركز بنصحه وتوجيهه ودعمه غير المحدود فجزاه الله عنا خير الجزاء. من جانبه، شكر معالي وزير العدل الموريتاني السابق معالي الشيخ عبدالله بن محفوظ بية في كلمته التي ألقاها باسم المشاركين في الندوة القائمين على المؤتمر حلى حسن الترتيب والضيافة، ونوه بالجهد الكبير الذي بذله القائمون على إعدادها، كما امتدح جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على ما تقوم به من دفاع وصمود أمام الهزات التي تقابلها والتي تحاول ثنيها عن نهجها الصحيح المرتكز على المبادئ الشرعية الأصيلة. في ختام حفل الافتتاح قدم الدكتور عياض السلمي هدية المركز لمعالي مدير الجامعة وفي ذات السياق انطلقت الجلسة الاولى التي جاءت تحت عنوان مناهج البحث في القضايا الفقهية المعاصرة تحدث الدكتور أحمد الريسوني من جامعة المغرب والخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي عن الاجتهاد المصلحي مشروعيته ومنهجه وقال مصطلح "الاجتهاد" ليس بحاجة إلى تعريف وبيان في هذا البحث، فهو مستعمل بمعناه الاصطلاحي والاستعمالي المعروف في الفقه وأصول الفقه وأما الاجتهاد الموصوف ب"المصلحي"، فالمراد به الاجتهادُ الذي تُراعَى فيه المصلحة ويُبنى عليها، سواء كانت المصلحة هي سنده الوحيد، أم كانت عنصرا مؤثرا ضمن عناصرَ وأدلة أخرى. موضحا ان أهم المعالم والمحددات المنهجية الضامنة لصحة هذا الاجتهاد وسلامته العلم بمقاصد الشريعة, ومعرفة المصالح الشرعية بأنواعها ومراتبها وكذلك إعمال المصلحة في فهم النصوص وتنزيلها, اضافة الى ميزان الربح والخسارة وقال هناك بعض القضايا والحالات التي تتشكل في الواقع المعيش مثلا في هذا العصر كقضية الدخول الجماعي في الانتخابات، وقلِّبها من كافة جوانبها ومحتوياتها. وبين ان من التطبيقات الشبيهة بما سبق: أن بعض المسؤولين والموظفين، تسند إليهم وظائف وتكاليف تكون إما محرمة في أصلها، أو يدخل الحرام والفساد في بعض صورها ولوازمها. فمن تولاها وهو كاره لها ولما فيها من فساد، ولكنه قبلها ليقوم بما هو مستطاع من تقليص مستمر لفسادها وضررها، مما لا يفعله غيره ممن يُبقُون الأمرَ على ما هو عليه، أو يزيدونه فسادا على فساد، فهذا يعتبر مصلحا ومحسنا، وهو مأجور على عمله في تقليل الحرام والفساد والظلم والضرر، معذور فيما يقع تحت يده أو يسكت عنه من فساد لا يقصده ولا يرضاه، ولكنه لا يملك تغييره. واستشهد بالعمل في الإدارات الحكومية التي تمنح رخص بيع الخمر أو إنتاجِه أو استيراده، أو تتولى المراقبة القانونية للنشاط الصناعي والتجاري في هذا المجال. ومثلها الإدارات المكلفة والمشرفة على إنتاج التبغ (الدخان) وبيعه. وكذلك الإدارات المكلفة بالإشراف على فتح الفنادق وتسييرها، وكثيرٌ منها يكون ميدانا لرواج الخمور والمخدرات، وغيرها من المحرمات. كما تحدث الدكتور حسن بن عبدالحميد بخاري عن منهج الجمع بين المقاصد والنصوص وأثرة في دراسة القضايا الفقهية المعاصرة. اما الدكتور محمد بن حسين الجيزاني بين أن منهج الجمع بين النصوص والمقاصد هو مذهب السلف الصالح ومن تبعهم، وهو مذهب متوسط بين مذهبين، وهما طرفان متقابلان أولهما: الجمود على ظاهر النص، دون اعتبار لمقصود الشارع، ويمثل هذا المنهج مذهب الظاهرية، وثانيهما الاعتماد على النظر والاستنباط، دون اعتبار لظاهر النص، ويمثل هذا المنهج أصحاب المدرسة العقلية قديما وحديثا . واستعراض أمثلة تطبيقية معاصرة موجز لطائفة من المسائل المستجدة، والتي تفتقر إلى نظر واجتهاد في إدراك نوع العلاقة بين نصوص الشريعة ومقاصدها كحكم الأذان في المساجد عن طريق الشريط المسجل. وقال ان الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة بواسطة آلة التسجيل ونحوها لا يجزئ ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع؛ لأن النية من شروط الأذان، وهو من العبادات البدنية، ثم إن هذا يفوِّت ما يرتبط بالأذان من سنن وآداب، كما أنه يفتح باب التلاعب بالدين. وكذلك حكم استثمار أموال الزكاة مؤكدا انه لا يجوز استثمار أموال الزكاة لصالح أحد مستحقيها لما فيه من المضارة بهم والإخلال بواجب فورية إخراجها. اما ما يتعلق بحكم العمل بالحساب الفلكي في دخول شهر رمضان وخروجه اكد انه يجب الاعتماد على الرؤية، ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد؛ مراعاة للأحاديث النبوية والحقائق العلمية. وبين ان حكم تنظيم النسل يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب لحاجة شرعية يقدرها الزوجان، بشرط عدم الضرر، وعدم العدوان على حمل قائم، وأن تكون الوسيلة مشروعة. ولا يجوز إصدار قانون عام يحد من الإنجاب، ويحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة إلا لضرورة شرعية . الدكتور أحمد عبدالعزيز السيد سليم قدم بحثاً بعنوان " الجمع بين المقاصد والنصوص منهج لدراسة القضايا الفقهية المعاصرة " وقال إن مقاصد الشريعة علم دقت مداركه، وتشعبت مسالكه، وصعبت مراقيه، وبعدت مراميه، فلا يلقي زمامه إلا لكل ذي بصر نافذ وعزم حديد. وترجع أهمية معرفة مقاصد الشريعة في أنها تكون عقلية الفقيه الذي يريد أن يغوص في بحار الشريعة، ويلتقط لآلئها، وفي مساعدته على الوصول إلى الحكم الصحيح، ولا يكتفي بالوقوف عند ظواهر النصوص الجزئية. وإن أول ما يجب أن نركز عليه في نظر القضايا الفقهية المعاصرة، هو أن نفقه النصوص الشرعية الجزئية في ضوء مقاصد الشريعة الكلية، بحيث تدور الجزئيات حول محور الكليات، وترتبط الأحكام بمقاصدها ولا تنفصل عنها. وطرحت بالجلسة عدة مداخلات حيث طالب الدكتور قيس المبارك عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة بتأمل المصالح ماهو مرعي منها وما غير ذلك مشيرا الى ان القانون في ذلك سعة علم الباحث ووقوفه على نصوص الكتاب والسنة وفتاوى الصحابة والتابعين والفقهاء الذين تعاقبوا على ذلك في زمننا هذا. وعارض عبدالستار ابراهيم من جامعة البحرين لورقة الدكتور محمد الجيزاني في مقولته ان السلف عندما جمع بين المقاصد والنصوص او النصوص والمقاصد جمعوا بين مدرستين متعارضتين متناقضتين مبديا تحفظه على هذه الجزئية من ورقة الباحث مبينا ان المدرستين لم يكن بينها تعارض او تقاطع لكن الظروف التي يعرفها اهل العلم هي من افرز هاتين المدرستين مدرسة النص ومدرسة المقاصد. واضاف ان السلف وفقهاء الصحابة كانوا يعتمدون في فتواهم على النظر فيما وراء النصوص مستدلا بما قالة ابن القيم بانه الفقه الحي الذي يدخل القلوب بدون استئذان.