تقلقني مسألة الرقية. أعاد الأستاذ تركي السديري فتح الموضوع في زاويته يوم أمس الأول في تعليقه على تعقيب مستشفى الملك فيصل التخصصي. القصة أن أحد الرقاة ادعى في تحقيق نشر في هذه الجريدة أن مستشفى الملك فيصل التخصصي أعجب بانجازات الرقاة وبلغ بهذا الرجل أن قال عن نتائج الرقية في التخصصي: (تلقاها الأطباء بنظرات الذهول والاستغراب). لا أظن أن نفي التخصصي لتلفيق هذا الرجل كاف. مستشفى الملك فيصل التخصصي مؤسسة طبية وعلمية كبرى على مستوى العالم. مفخرة الشعب السعودي. من غير المعقول أن يزج بسمعته في التخرصات والخزعبلات الشعبية. على المسؤولين فيه رصد مثل هذه الأقاويل ومقاضاة كل من ينسب له أي أكاذيب أو خرافات. أن يكون لديه إدارة للدفاع عن قيمه العلمية وتحالفه التام مع العقل. نشر في هذه الجريدة أيضا كلامٌ أخطر من هذا بكثير. خطورته أنه ينسف فكرة أن الرقية أساسها القرآن الكريم. في العدد رقم 15272 قال احدهم بالحرف الواحد في معرض ترويجه للرقية: (وقد بدأت العديد من المستشفيات في الولاياتالمتحدة وكندا واستراليا وبريطانيا بتقديم خدمات روحانية ودينية لمرضاها، من خلال القس الطبي (Chaplain)، وأصبح لديهم هيئات علمية في ذلك الجانب منها رابطة التعليم السريرية الكهنوتية الأمريكية (ACPE)، وتُعنى بالتدريب والاعتراف بالخدمات التعليمية اللاهوتية لدى العديد من مقدمي الخدمات الطبية.) وبعد استطراد عجيب يعود متسائلا متعجبا: (فلماذا يستكثر علينا بعض من الإعلاميين والمتخصصين إنشاء عيادات الرقية الشرعية وفق ثوابت آخر الأديان السماوية) إذاً قضية الرقية ليست إسلامية ولا علاقة لها بالقرآن الكريم, وإنما تتعلق بالكهنوت الديني بصفة عامة, سواء عند رجال الدين المسلمين أو المسيحيين. اعتدنا أن نسمع أن الرقية هي علاج بالقرآن الكريم والراقي ليس سوى وسيط فقط. لكن كلام هذا الرجل يثبت أن الكهنوت هو الأساس. لا فرق بين رجل الدين المسلم أو القس المسيحي أو المشعوذ الأفريقي أو الطوطمي الفلبيني. المسألة في الروحانية كما يدعي وليست في القرآن الكريم. هذا الكلام رغم كل خطورته لم يدنه أحد من هؤلاء الذين يدافعون عن الرقية أو الذين يتكسبون منها. لم ينبرِ أي من الذين يتهمون الكتاب والمثقفين بالزيغ والضلال للتصدي لهذا الرجل. هذا الرجل ضمن منظومة أوسع تشمل طيفا واسعا بينهم على سبيل المثال الأطباء الذين وقعوا ورقة اعتراض على الاختلاط واستشهدوا بأقوال برتراند رسل شيخ الملحدين في القرن العشرين. تلاحظ محاولة لخلط الأوراق هدفها تسفيه العقل باسم الدين لتسويغ استغلال مآسي الناس وسلب أموالهم. في العالم تنهض جمعيات لحفظ حقوق الناس كجمعية حقوق الإنسان, جمعية حقوق المرأة. نحن بالتحديد نحتاج إلى جمعية للدفاع عن العقل. واحدة من أهم مهامها إلزام كل من يدّعي أنه عالج بالرقية مرضا كالسرطان أو الكلى أو روج لذلك عليه أن يثبت كلامه بالتقارير الموثقة من وزارة الصحة أو من المستشفى التخصصي أو أن يقدم للمحاكمة. مثله مثل المعتدي على الأطفال أو المعتدي على المرأة. العقل قيمة الإنسان وأساس تميزه.