«مارتن إندك» كان سفيراً لأمريكا لدى إسرائيل، وظل من أكثر المتعصبين لها باعتباره صهيونياً، لكنه في الأيام القريبة الماضية، جاءت تصريحاته أقرب إلى مصلحة أمريكا وإسرائيل معاً عندما قال «إذا كانت إسرائيل تريد حماية أمريكا فعليها أن تحترم المصالح الأمريكية في المنطقة، وخيّر نتنياهو إما الصدام مع أعضاء حكومته المتطرفين، أو الصدام مع أوباما، وأضاف إن أوباما يوقع على وثائق القتلى أكثر من نتنياهو».. القيمة ليست لهذه التصريحات وإنما أن تأتي ممن يُحسب على إسرائيل كحليف مدافع عنها، لكن ما يفيد أن الأمور بين البلدين وقيادتيهما، وصلت إلى كسر العصا، لأن أمريكا مهما أعطت تأييدها ودعمها للحليف المدلل، فما يحكمها هو دورها وموقع أمنها في الخريطة العالمية، ولا نعتقد أن تقارب أوباما مع العالم الإسلامي هو مناورة لوقف اعتداءات وتصلب إسرائيل، وجعل هذه الصلات ضغطاً عليها، بل لأن ما ذهب إليه الرئيس بوش الابن من سياسات أخلّت بتوازن الدولة العظمى وأساءت لسمعتها يتطلب حلاً للعقد الأزلية وأهمها على الإطلاق القضية الفلسطينية. فإذا كان نتنياهو تعوّد أن يكون الفائز في الخلافات مع الحليف الأكبر، فالطرف الدولي بدأ يتغير، أي أن أمريكا تنظر لما هو أبعد من المنطقة العربية حين ترى الصين تخطو نحو الزعامة الاقتصادية، لتصل إلى الزعامة السياسية، وربما العسكرية خلال العقود القادمة، وهنا لا نعتقد أن أوباما يتحرك من خلال تلقائية أفكاره الأحادية، وهو المحكوم بالكونغرس وعشرات المستشارين وتحريات أجهزته السرية وتقويمها لمسيرة السياسة العالمية وكذلك الأمن الدولي.. إسرائيل بدأت تفقد مبررات ادعاءاتها التي كسبت منها الإعانات العسكرية والمواقف السياسية المؤيدة لها عندما تطلق يدها العسكرية على أي موقع عربي تختاره، وهنا عندما يتحدث إندك وهو المستشار الآن للمبعوث الأمريكي (جورج ميتشل) فهو يتكلم من عمق الرأي السائد الأمريكي، بل ولعله ناصح لإسرائيل ألا تعتقد بضعف الإدارة السياسية للرئيس الأمريكي ، وأن هناك لوازم لا يجوز التنازل عنها خدمة للمصالح الأمريكية العليا.. لقد تقدم العرب من إسرائيل في العديد من الخطوات، وكانت أمريكا تسعى إلى التوفيق بين الطرفين، ولكنها في غالب سياساتها كانت مع إسرائيل، وقد فشل أكثر من رئيس ومندوب ووزراء، ووسطاء لأنْ يصلوا مع إسرائيل إلى نقاط التقاء، ولعل تساؤل الأمريكي العادي الذي يُقتطع من دخله ضرائب تذهب لإسرائيل في وقت يحتاج لها في تحسين ظروفه، بدأ يعي أن الدور السياسي يجب أن يتغير، وأن في المنطقة العربية مصالح أمريكية تفوق ما تبرره الاستراتيجية المتقاطعة معهم ثم إن هاجس التسلح وربما وصول إيران إلى قدرات نووية تجعلها تملك قنابل نووية، ضاعف مسؤوليات أمريكا الأمنية، لكن إسرائيل التي حاولت توظيف هذه القضية في الاندفاع إلى مغامرة عسكرية ترفضها دول المنطقة خشية تبعاتها، تجد أن الأوْلى بالمساءلة والمحاسبة على أسلحتها النووية هي إسرائيل ومع أن مثل هذا المطلب يوضع في خانة المحرمات، فإن إسرائيل لم تعد تقنع حلفاءها بأن تصرفاتها تقنعهم في وقت بدأت المصالح تأخذ دور الضاغط عليهم، وخاصة مع العرب والمسلمين..