خمسة وعشرون يوماً- هي فارق التقويم- تفصل هذا العام بين ما يسميه الفلسطينيون ذكرى "النكبة"، وبين ما يسميه الغزاة الاسرائيليون "عيد الاستقلال". صورتان لحدث واحد شهدت فلسطين وشعبها كامل فصوله التراجيدية قبل اثنين وستين عاما. "الاستقلال" و"النكبة"، او ما دأبنا على تسميتها ايام المدرسة "اغتصاب فلسطين"، روايتان تستكملان صراعا لم يبدأ في العام 1948. واحدة تنقب في بطن الارض وغياهب التاريخ عما يشير لوجود اليهود على هذه الارض. والاخرى اكثر بساطة، ولا تفتش عن شواهد غيبها الزمن، فالحقول وحجارة البيوت وشجر الصبار، وهؤلاء الذين لا زالوا "يعيشون" في مخيمات اللجوء، هم الرواية والراوي في آن معا. اليوم او بعد خمسة وعشرين يوما، تظل الذكرى هي الذكرى، فنعود معها الى تلك الايام، وكأن تلك السنين والعقود لم تكن، عندما وصلت "المؤامرة" الدولية ذروتها، وحان الموعد كي يمنح "الاقوياء"، شهادة ميلاد رسمية ل"شعب" جيء به من كل أرجاء المعمورة ليقيم دولة على ارض شعب آخر، وعلى انقاضه. حينئذ كان القتل الجماعي هو الطريق الاقصر، لتنفيذ مخططات الصهاينة ومن يقف خلفهم باقامة دولتهم، فعمت المجازر والفظائع جميع ارجاء فلسطين، فكانت دير ياسين والطنطورة والدوايمة وجامع دهمش، وعشرات المذابح الموثقة وغير الموثقة، ولم يكن امام الغالبية الكبرى من الفلسطينيين الا الفرار من وجه الموت واستباحة العرض الى ملاجئ اخرى، بانتظار ان يأتي الفرج... واليوم يحيي الفلسطينيون، من بقي على ارضه ومن استقر به المطاف في مخيمات اللجوء، هذه الذكرى ويستذكرون ضحاياهم، وهناك على الأبواب يرقص " الغرباء" على جراحهم ويحتفلون بمناسبة دفع الشعب الفلسطيني الكثير من الدماء والويلات من اجل تجسيدها. "اعلام اسرائيل الزرقاء"، تعلو منذ ايام استعدادا للمناسبة، اعمدة الانارة على امتداد الطرقات القريبة من المستوطنات في الضفة الغربية والقدس- وما اكثر المستوطنات- وكأن في ذلك اعلان بأنها مناطق سيادة اسرائيلية مثل تل ابيب وحيفا ويافا والمجدل داخل اراضي 1948. ولما كان في الضفة الغربية قرابة مائتي مستوطنة كبيرة وصغيرة، عدا عن عشرات المواقع الاستيطانية والعسكرية، التي ترتبط فيما بينها اولا ومع اسرائيل ثانيا، بشبكة طرقات نموذجية، فهل لا تزال هناك ارض لاقامة دولة فلسطينية عليها اذا ما احسن الراعي الاميركي نواياه؟!.