يواصل الشاعر محمد ابراهيم يعقوب ابداعاته الشعرية ؛ فبعد صدور رهبة الظل ( 2001م) وديوان تراتيل العزلة (2005م) . ومشاركة ناجحة في برنامج شاعر المليون ، يكثف حضوره بمجموعته الشعرية الثالثة : جمر من مرّوا ، وهو عنوان ينبئ عن ما يخبئ تحته من أشعار ، فها هو يقبض على جمر نحت نحتا ، ليعبّر لنا عن مدى معاناته وهو يكتب القصيدة التي يحرص أن تكون متميزة ، ومن هنا كان العنوان دالا على مدى اهتمامه بنصوصه واشتغاله عليها . قسّم الشاعر مجموعته الشعرية إلى ثلاثة أجزاء ، الجزء الأول مخاتلة الغيم ، ويتكون من سبع نصوص شعرية : غيابة الناي ، غبن الرواة ، ترتيل لمقام الجهات ، صعاليك ، أبجدية الطين ، معراج ، بوابة الغياب. ثم القسم الثاني ، تفاصيل لضفاف ممكنة ، ويتكون من ستة نصوص هي : كلام الوردة ، سيرة لرجل محتمل ، أعراس المواقيت ، أعالي الغياب ، الأهلة ، لا تفارق اسمي . ثم الجزء الأخير من المجموعة سريرة المرايا ، ويتكون من ثمان نصوص هي : حروف الماء ، مسبغة الروح ، سرائر الورد ، تمضي إلى جمرها ، مرايا ، أخرى ، ظن ، من شاغب الماء . في نص غيابة الناي ، تحدّث المنشد الشاعر عن نفسه ، فهو فهو الغيم ، وهو الشرفة ، والضوء ، والسلالة ، وهو كل ما عناه في تلك القصيدة وهو يتحدّث على لسان الناي ، حيث استعار من الناي اسمه ، وصوته ليقدّم لنا الشاعر نفسه ، وكأن الشاعر وهو يبدع شعرا حزينا ، كالناي حين تنداح انغامه في يد راعٍ مثلا حزينة مؤثرة . كانت هذه القصيدة وما بعدها تمتاز بجزالة أسلوب ، وعبارة شعرية ناصعة البيان ، وتمكنٌ شعريٌّ مذهل ، لا يفتقر إلى العبارة ، فهي عبارة نضجت تماما ، وقبض عليها الشاعر وكأنه يقبض على جمرة من مروٍ حارقة جدا . قصائد مليئة بالحكم ، والنظرة الشعرية الثاقبة التي تنبئ عن امتلاء الشاعر بالخبرة والحكمة الموغلة في الحقيقية . (نص صعاليك ) ص 26. ومن النصوص الجميلة حقا نص أبجدية الطين ، المكتنز بلاغة وأسلوبا ، وما أجمل قوله وهو يقول / يا ساقي الريح ، فانوسي على كتفي // وأبجديات هذا الجين حنجرتي . عمودية وتفعيلة ، تأمل ووصف ، أنهار من اللغة الشعرية تتدفق هنا وهنا ، هذا ما يمكن أن أصف به مجموعة محمد إبراهيم يعقوب الشعرية .