في الثاني عشر من نيسان أبريل 2010، افتتحت في واشنطن قمة الأمن النووي، بهدف تسليط الضوء على مخاطر تسرّب المواد النووية إلى جهات غير نظامية أو غير مسؤولة.وجاءت هذه القمة بعد خمسة أعوام على إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، للمعاهدة الدولية لمكافحة الإرهاب النووي، في مثل هذا الشهر من العام 2005. وقال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مخاطباً القمة:"أعتقد أن (هذا التجمع) يكشف مدى القلق الذي يجب أن يشعر به الجميع حول إمكانية التهريب النووي.وأعتقد أنه في ختام هذه القمة سنشهد بعض التحركات المحدودة جداً والملموسة، ستتخذها كل دولة، وستجعل العالم أكثر أمناً إلى حد ما". وقال أوباما، في حديث منفصل:"التركيز الرئيسي لهذه القمة هو أن أكبر تهديد منفرد لأمن الولاياتالمتحدة، سواء على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل، يتمثل في إمكانية حصول منظمة إرهابية على سلاح نووي". وقد نص البيان الختامي للقمة على تعهد الدول المشاركة بالعمل من أجل حماية كل "المواد النووية غير المحصنة"، في غضون أربع سنوات، واتخاذ خطوات ملموسة لمنع تهريب المواد النووية. وحدد البيان عدداً من الالتزامات العامة، تعهدت الدول من خلالها بتشديد حماية المواد النووية الخاضعة لسيطرتها.وأشار إلى أنه من ضمن الأهداف الرئيسة للدول المشاركة "منع الأطراف غير الرسمية من الحصول على المعلومات أو التكنولوجيا اللازمة لاستخدام مثل هذه المواد لأغراض خبيثة". كذلك، حثت القمة الدول على تحويل المفاعلات النووية من استخدام وقود اليورانيوم عالي التخصيب إلى الوقود منخفض التخصيب ذي الخطورة الأقل. ويتخذ الإرهاب النووي ثلاثة أشكال هي: استخدام الذخائر النووية ( وخاصة القنابل الصغيرة) لإصابة أهداف محددة، وتنفيذ الأعمال الإرهابية ضد المنشآت النووية ( بما في ذلك مفاعلات الطاقة العاملة بالوقود النووي)، واستخدام المواد المشعة بما فيها المواد المنخفضة الإشعاع بهدف القتل. ولا تزال الوكالة الدولية للطاقة الذرية تدرج موضوع مكافحة الإرهاب النووي على جدول أعمال غالبية اجتماعات مجلس الأمناء والمؤتمر العام، وقد أعدت الوكالة خطة تفصيلية للتدابير التي ينبغي اتخاذها في سبيل تأمين أعلى درجات الحماية من الهجمات الإرهابية التي قد تستهدف منشآت الطاقة النووية. إن دول العالم المختلفة قد أضحت مهتمة اليوم بتعزيز منظومات الأمن النووي بشتى صنوفها وأشكالها، وحيث لم يعد بالمقدور الفصل بين أبعادها الوطنية والدولية، وتم في هذا الإطار تحديد مجموعة من المعايير الدالة على مدى تمكن الدولة من الإمساك بمقاربة الأمن النووي، ومنها قياس القدرات الوقائية للدولة (الطبيعية والجغرافية) وقدرات الرد (قوات الشرطة الخاصة وكيفية السيطرة على الطوارئ وإجراءات مكافحة المتفجرات) وقدرات ما بعد الحدث (تحقيقات للشرطة تغطي الأبعاد الجنائية و الاقتصادية)، بالإضافة إلى قدرات الأمن الإلكتروني. وتعتبر معاهدة الحماية المادية للمواد النووية التي تم تبنيها في العام 1979، أحد أركان مقاربة الأمن النووي العالمي، ويمكن النظر في السياق ذاته إلى قرار مجلس الأمن الدولي الرقم (1540) الصادر في العام 2004 الذي هدف إلى منع وقوع أسلحة الدمار الشامل ومكوناتها في أيدي الجهات غير الحكومية. وفي نيسان أبريل من العام 2005، أقرت الدورة التاسعة والخمسون للجمعية العامة للأمم المتحدة، المعاهدة الدولية لمكافحة الإرهاب النووي التي هدفت إلى إرساء القواعد القانونية اللازمة لهذا الغرض. وفي تموز يوليو من العام 2006، أطلق الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، والروسي ( حينها) فلاديمير بوتين، "المبادرة العالمية لمكافحة الإرهاب النووي"،وذلك خلال قمة جمعتهما في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية. وتتجسد غايات المبادرة في الاكتشاف، ومنع الوصول، والحيلولة دون وقوع هجوم نووي، وتحقيق الجهوزية لمعالجة الوضع في حال وقوعه. وتهدف المبادرة إلى "إقامة شبكة متنامية من الدول الشريكة الملتزمة باتخاذ إجراءات فعالة، لإقامة دفاع عميق متعدد الطبقات، يمكنه التكيّف باستمرار مع طبيعة التهديدات المتغيرة". وحثت المبادرة المشاركين فيها على القيام بسلسلة من الخطوات المعززة للأمن النووي، تتمثل في: أولاً، تحسين عمليات وضع سجلات المواد النووية ومرافقها، وتحسين عمليات ضبطها وحمايتها.ثانياً، اكتشاف ووقف النشاطات غير المشروعة المتعلقة بمواد الأسلحة النووية.ثالثاً، معالجة عواقب عمليات الإرهاب النووي.رابعاً، تعزيز التعاون في مجال تطوير تكنولوجيات جديدة لمكافحة الإرهاب النووي.خامساً، ضمان اتخاذ أجهزة تطبيق القانون جميع الإجراءات لحرمان الإرهابيين الذين يسعون إلى امتلاك أو استخدام مواد نووية من الملاذ الآمن. وسادساً، تعزيز الأطر القانونية الوطنية من أجل مقاضاة الإرهابيين وغيرهم من داعمي الإرهاب النووي بشكل حازم و فعّال والاقتصاص منهم في حال القبض عليهم. وقبل عقد من الزمن، أشارت بعض التقارير الدولية إلى أن تنظيم القاعدة تمكن من شراء عشرين قنبلة نووية صغيرة من روسيا. وتشير التقارير إلى أن هذه العملية قد تمت بواسطة شيشانيين، قاموا باختلاس القنابل المذكورة ( التي تعرف أيضاً بالحقائب النووية) من مستودعات الأسلحة الروسية.وتزن القنبلة الواحدة من هذه القنابل ما بين 30 إلى 50 كيلوغراماً، وتماثل قوتها التدميرية قوة القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة هيروشيما. وتشير تقارير أخرى إلى أن تلك القنابل قد حصلت عليها القاعدة من أوكرانيا، وليس من روسيا، حيث قام علماء أوكرانيون ببيعها لوسطاء شيشانيين. كما ظهرت رواية ثالثة تشير إلى احتمال حصول القاعدة على القنابل الأميركية (ADM)، التي كان الجيش الأميركي يملك منها في ثمانينيات القرن الماضي نحو 600 قطعة. وقد بدأت قصة "الحقائب النووية"، منذ خريف العام 1997، عندما أعلن السكرتير السابق لمجلس الأمن الروسي، الجنرال المتقاعد الكسندر ليبيد، عن اختفاء 100 قنبلة نووية صغيرة من المستودعات العسكرية الروسية. وقد يصعب الآن إثبات صحة حصول تنظيم القاعدة على القنابل الروسية العشرين، أو ما يماثلها.بيد أن ما يمكن الإشارة إليه هو أن حشوة القنابل النووية الصغيرة ليست في واقع الأمر سوى مجموعة من النظائر التي لا تعمل كبديل للبلوتونيوم إلا لفترة قدرها ستة أشهرمن تاريخ الصنع. فإذا تم ترجيح وقوع قنابل كهذه بأيدي تنظيم القاعدة منذ النصف الثاني من عقد التسعينيات، فإن فترة صلاحيتها قد انتهت منذ وقت طويل. وإضافة إلى فرص الاستيلاء على قنابل نووية صغيرة، يكمن أحد أشكال الإرهاب النووي في تخريب أو مهاجمة المنشآت النووية، بما في ذلك محطات الطاقة العاملة بالوقود النووي. وتعد مفاعلات الطاقة النووية، وغيرها من مرافق أجزاء دورة الوقود النووي- كمرافق التخصيب والتخزين، وإعادة معالجة الوقود المستهلك- عرضة للهجوم التخريبي أكثر من المنشآت النووية العسكرية، نتيجة الفارق الكبير في حجم الاحتياطات الأمنية. ويؤدي تفجير رأس نووي متوسط إلى تلويث إشعاعي طويل الأمد، لمساحة تبلغ عدة كيلومترات مربعة، بينما يسفر تدمير مفاعل للطاقة النووية، أو مستودع للوقود النووي المستهلك، عن تلويث عدة مئات من الكيلومترات المربعة. أما تدمير مفاعل لتخصيب اليورانيوم فيتسبب في تلويث إشعاعي لبقعة تبلغ مساحتها عدة آلاف من الكيلومترات. وفي العام 1986، تسرب جزء من الوقود النووي ( ثلاثة إلى خمسة في المائة) من مفاعل تشرنوبيل الأوكراني إلى المناطق المجاورة، فتبخر حوالي 30 % من "السيزيوم"، الذي يحتويه الوقود النووي، لينتقل مع الهواء إلى مناطق تبعد آلاف الكيلومترات عن موقع المحطة. وإذا أخذ بعين الاعتبار مرحلة العمر النصفي للسيزيوم، وهي 30 عاماً، والبلوتونيوم، وهي 24 ألف عام، يمكن القول إن تهديد الإشعاعات الصادرة عن المفاعلات النووية يُعد كارثياً على نحو لا نظير له. وإضافة للخطرين سابقي الذكر، يكمن أحد أشكال الإرهاب النووي في استخدام المواد النووية، منخفضة الإشعاع، في صناعة ما يعرف مجازاً بالقنبلة القذرة. وهناك اليوم اقتراحات حول إجراءات احترازية يجب اعتمادها على المستويات الوطنية لضمان عدم وقوع المواد منخفضة الإشعاع بأيدي غير أمينة. ومن بين هذه الإجراءات: وضع ضوابط تعتمد تقنية البيانات الحيوية للتعرف على هوية من يستطيعون الوصول إلى هذه المواد، ومراقبة المرافق والموظفين عن بعد، واعتماد أنظمة وبرمجيات كمبيوتر، متصلة بوحدات الرد السريع في الأجهزة الأمنية. وأياً تكن السياقات، فإن تزايد اهتمام دول العالم بمتطلبات الأمن النووي ومقتضياته، يُعد أمراً مطلوباً، يجب تعزيزه والتأكيد عليه، على نحو دائم ومستمر.وهذه مسؤولية دولية عامة.