لا يختلف اثنان على أن أسعار العقارات السعودية وصلت إلى مرحلة عدم الاستقرار، وما يجري حاليا محاولات من صناع السوق للحفاظ على الأسعار، عبر تنفيذ صفقات خاصة. ويشكك البعض في صحة تقارير تؤكد انخفاض أسعار الأراضي والمساكن في السوق مستقبلاً معتقدين أن العقار السعودي الأقل سعرا في المنطقة، مشيرين إلى أن العقار يدار منذ سنوات طويلة بعيداً عن القروض والتسهيلات البنكية. فيما أوضح البعض أنه لا يمكن الجزم بعدم انخفاض أسعار العقارات، بعد أن وصلت إلى مستويات سعرية تفوق القوة الشرائية وحتى الحلول التمويلية، مؤكدين أن العرض بات أكثر من الطلب بمعدلات كبيرة، وقالوا إذا كان القول بعدم انخفاض الأسعار نسبة إلى احتياج شريحة واسعة من المواطنين لتملك مساكن، فلا يمكن اعتماد ذلك كطلب حقيقي ومؤثر على الأسعار، نظراً إلى ضعف القوة الشرائية لدى الشريحة الخالقة للطلب. وأشاروا إلى أن تلبية هذا الطلب، لا تأتي بمقومات ذاتية من تلك الشريحة، بل ستأتي تدريجياً من برامج الإسكان الحكومية، المنتظرة، من خلال تطوير مخططات المنح وبرامج الإسكان التي تقوم عليها الهيئة العامة للإسكان. أزمة الإسكان في السعودية فرضت نفسها على الوضع الراهن في السوق، على رغم تفاوت الإحصاءات عن نسبة الأسر التي تملك سكناً والتي تراوحت بين 20 و56 في المائة إلا أنها جميعاً تشير إلى وجود عجز كبير في الوحدات السكنية في جميع مدن المملكة الرئيسية مثل الرياض والدمام وجدة. ويتوقع أن ينمو الطلب على المساكن في المملكة، وفقاً لتقرير حديث، مدفوعاً بحجم سكانها الذي ينمو سنوياً بمعدل 2 في المائة، ويضم نحو 65 في المائة من سكان منطقة الخليج، كما أن عدد سكان المملكة الكبير نسبياً والبالغ 25 مليون نسمة، بينهم 18.5 مليون مواطن، يمثل الدعامة الأساسية لاستقرار ونمو الطلب المحلي على العقارات. ويأتي الاستثمار في قطاع الإسكان متوافقاً مع نوع الطلب على المساكن، وهذا يؤكد كفاءة آلية السوق العقاري نتيجة استجابته لمتطلبات المجتمع. إلا أنه على الرغم من الإقبال على الشقق فان معظم الاستثمارات وخصوصاً الفردية تتجه إلى شراء أراضي للبناء عليها مسكن للأسرة كون انه في حال إذا لم تتوافر السيولة للبناء فان ارتفاع الأسعار فيها مقارنة بسعر الشقق يساوي أضعاف، أما في حال البناء فانه استثمار أرخص إذ اشترى شقة أو فيلا جاهزة. وفي هذه الحالة فان المستثمر من الأفراد يربح اجتماعياً من حيث توفير مسكن مناسب للأسرة، واقتصادياً إذا نفذ استثماره بالبناء أو بيع الأراضي في حال إذا لم ينفذ. ويفضل السعوديون الشقق السكنية الكبيرة والفيلات الصغيرة التي تتراوح بين 300 و400 متر على رغم أن معظمهم يفضل العيش في الفلل إذا كانوا قادرين على تحمل دفع إيجاراتها. وعلى الرغم من تأكيد عقاريين سعوديين أن سوق العقارات السعودي قويٌ ومحصن ضد الأزمات العالمية، إلا انهم اعترفوا انها بدأت تشهد تأثيرًا في مستوى الأسعار، وإن السوق مقبل على حالةٍ من الركود الوقتي المرهون بالأوضاع العالمية. ودعا هؤلاء العقاريون إلى تنويع الاستثمارات العقارية حتى تتمكن من تلبية جميع احتياجات الطلب التي بدورها ستوفر سوقًا آمنة قادرة على تغطية الطلب تناسبيًا مع العرض، وقدروا إجمالي قيمة تطوير العقارات في الرياض وحدها بأكثر من 100 مليار ريال، في قطاعٍ يقدر حجمه ب1.3 تريليون ريال، إضافةً إلى كثافة في الطلب وغزارة في التدفقات والفوائض النقدية. ونبَّهوا إلى أن صناعة العقار المتنامية تواجه تحديًا كبيرًا إذا ما فاق حجم الطلب ما يعرض من وحدات وأراضٍ سكنية معدة لاستخدام ذوي الدخل المحدود، وقد بدأت المشكلة العام 2008 من خلال ارتفاع أسعار الوحدات السكنية بيعًا وإيجارًا بنسبة فاقت 30 في المائة بسبب النمو السكاني الكبير الذي تشهده البلاد، مع ما يرافق ذلك من صعوبات تواجه تمويل وإنشاء الوحدات السكنية، لا سيما في المدن الرئيسية. وتحتاج السوق العقاري إلى استثمارات خلال العشرين عاماً المقبلة قدّرها عقاريون بنحو 640 مليار دولار في ظل الأزمة التي ظهرت بوضوح خلال العامين الأخيرين، وخصوصاً مع توجه الكثير من الاستثمارات العقارية إلى سوق الأسهم خلال فترة انتعاشته، ما ساهم في تراجع العرض الذي قابله طلب كبير. وأدى هذا إلى ارتفاع كبير في أسعار العقارات - سواء للتمليك أو الإيجار - لكن انهيار البورصة السعودية في فبراير من العام 2008، والطفرة الاقتصادية التي تشهدها السعودية بسبب ارتفاع أسعار البترول شجع على الاستثمار في مجال العقار مرة أخرى. وأجمع خبراء ومستثمرون في السعودية على أن قطاع العقار المحلي نجح في استقطاب حصة لافتة من الاستثمارات المالية إليه في أعقاب التراجعات الحادة التي شهدها سوق المال السعودية العام الماضي، وذلك في محاولة من قبل المستثمرين لتوجيه استثماراتهم إلى فرص واعدة تمكّنهم من الحفاظ على مدخراتهم، وتعينهم على تجاوز الانتكاسة التي تعرضت لها استثماراتهم جرّاء تقلبات سوق الأسهم. وتشهد العاصمة الرياض وحدها مشاريع ضخمة، ستكون نواة لتخطيط المدينة المستقبلي. ويصل حجم الاستثمارات المعلنة في مدينة الرياض إلى 26.6 مليار دولار موزعة بين مشاريع حكومية وخاصة. وكانت السوق شهدت طفرة كبيرة خلال السنوات الخمس الماضية، وهي مهيأة حالياً لاستيعاب الاستثمارات - وفقاً لخبراء عقاريين لتحقيق طفرات أكبر - في ظل التزايد السكاني الكبير الذي تشهده المملكة عموما والرياض خصوصا، إذ ينمو سكان العاصمة بمعدل 8 في المائة سنوياً، بواقع 3 في المائة نموا طبيعيا، و5 في المائة هجرة إلى العاصمة.