جدلية النظرية والتطبيق معروفة منذ الأزل، فهناك نظريات وأفكار جيدة تطرح وغالباً تكون مذهلة قبل التطبيق وعند التنفيذ يفاجأ كل من اطلع على الفكرة أو النظرية بتصور آخر لم يكن مطلقاً وارد في الذهن، مثال مباشر وصريح هو توجه المهرجان الوطني للتراث والثقافة هذا العام بإقامة ندوة كبرى عن الرواية في المملكة العربية السعودية، الفكرة جيدة والتوقيت مناسب والمبادرة تحسب للقائمين على النشاط الثقافي للمهرجان، فالرواية في المملكة العربية السعودية تحتاج إلى غربلة نقدية، وكثافة الإصدار تحتاج إلى ما يوازيها من كثافة النقد والمتابعة، والرواية في المملكة تحتاج إلى أكثر من ندوة ومؤتمر، بالطبع بعيداً عن الشللية، أقيمت الندوة بمشاركة عدد كبير من النقاد العرب من ضمنهم بعض النقاد السعوديين، ومشاركات أخرى مهمة في الندوة وهي شهادات المبدعين التي ضاعت بين تلك المقاربات النقدية، مأزق الندوة الأول هو الوقت، ما الذي يستطيع أن يقدمه أي ناقد في عشر دقائق عن أربع أو خمس روايات مختلفة، أو أكثر، وهل يستطيع ناقد أن يدرس المكان أو الزمان في الرواية ويستعرض عشرات الرواية وفي وقت قصير ، هذا هو المأزق الأول، والذي جعل كثيراً ممن حضر تلك الندوة أن يندم على الوقت الذي أهدره، أمر آخر وهو مهم، مشاركات النقاد العرب بالندوة، لقد تفضلت إدارة المهرجان بتأمين العديد من الأعمال الروائية لكاتبات وكتاب سعوديين، بكل حيادية، وهذه تحسب لهم، وأرسلت للنقاد، وتحول النقاد إلى ثلاثة أقسام، قسم وفق ببعض الروايات الجيدة ، قدم عنها دراسة نقدية جيدة وعرض بعضاً من تلك الدراسة في الندوة، وقسم فوجىء بالتباين بين الروايات المرسلة إليه فبحث عن خيط يجمعها، وتكلم بصورة شاملة عن تلك الروايات على الرغم من تفاوت المستوى والتجربة لكتابها، فجاءت أشبه بسمك لبن تمر هندي، وبكل تأكيد هذا لا يضيف للرواية السعودية شيئاً، القسم الأخير، ممن لديه مقولات سابقة كل ما احتاجه هو إسقاط أسماء الروايات وكتابها في خانات معدة سلفاً، وهذا أمر كنا نعانيه من نقاد الشنطة سابقاً، وهذا أيضاً يسئ إلى الرواية في المملكة، أنا أقدر جميع المشاركين في الندوة وأحترم مشاركاتهم، ولكن كنت أتمنى لو طرح موضوع الرواية في السعودية إلى أكبر شريحة من النقاد في الوطن العربي ، ووضع أمامهم مراجع لأسماء الروايات وأماكن صدورها ، حتى يكون هنالك مجال للدراسات الجيدة والجادة، والآن من خلال الإنترنت يتم الحصول على المعلومة بسهولة عن كل إصدار صدر للروائيين السعوديين، وعندها سنجد نقاد فعلاً متابعين سيقولون هذا عمل جيد ويتميز بكذا وكذا، وهذا رديء للأسباب التالية، فمتى نرى النقد الفعلي والنقاد المتابعين بعيداً عن مقولة إني لأفتح عيني حين أفتحها على كثير ولكن لا أرى أحداً.