في تعقيبه على قراءة الأستاذ الكاتب قاسم الرويس لتجربته النبطية في هذه الصفحة أقحمني الأستاذ الشاعر سعد البواردي في موضوع ليس لي فيه ناقة ولا جمل إلا ما استشهد به الكاتب من مقالة لي عن تجربة شعراء الفصحى مع العامية , وحتى يكون القارئ على بينة من الأمر لابد من ذكر بعض الحيثيات حتى تتجلى الحقيقة ويتلاشى الوهم, ذلك أن مقالتي التي أشار لها الأستاذ الرويس والتي نشرت في العدد397 من المجلة العربية كانت مداخلةً في القضية التي أعدها الزميل هاني الحجي في العدد 396 بعنوان (غواية العامية لشعراء الفصحى) ولسبب ما تأخر نشر المقالة إلى العدد المشار إليه آنفاً, والذي صدر قبل صدور ديوان الأستاذ البواردي النبطي بشهرين على الأقل , وهذا يعن أن أستاذنا لم يخطر ببالي عند كتابتي لتلك المقالة, ولم أكن على علم بأنه يكتب النص العامي , والأستاذ أحد كتاب المجلة العربية ومؤكدٌ أنه يمتلك أعدادها وحري به أن يعود لتلكما العددين . وقبل الدخول في تفنيد ما قاله الأستاذ البواردي لم أكن أحبذ له الوقوع في فخ إغواء اللغة والتماهي مع أنثوية المثل في قوله (الجارة يا عزيزي تملك الشجاعة) وهو الكاتب المتمرس بالكتابة ومزالق الصياغة. يقول الكاتب معلقاً على رأيي (لعله يشير إلى من طرفٍ لذيذٍ) وليعلم الكاتب أن الغمز ليس من شيمي ثم إنني لا أعلم فيه ما يغمز، فضلاً عن أن يرى ذلك من طرف لذيذ أو بغيض. ورأيي في تجربة شعراء الفصحى مع الشعر العامي ,واضحٌ لا يحتمل هذا اللبس الذي وقع فيه الكاتب حتى يتحدث عن مقاربة العامي للفصيح أو ما يمكن أن نسميه فصحنة الشعبي , أنا أتحدث عن تجربةٍ كاملةٍ واضحة المعالم , وليس عن محاولات لقفز الحواجز أو تجارب فاشلة, ولذا لم أعتبر تجارب بعض أدبائنا العابرة في كتابة النص العامي رغم جودتها دليلا يعول عليه في الحكم, لكنني استشهدت بتجربة الأمير عبدالله الفيصل رحمه الله لأنه كتب القصيدة النبطية بذات الشرط الإبداعي الذي كتب به القصيدة الفصحى , بل إنه يعتبر من أوائل المجددين في الشعر النبطي والخروج به من نمطيته التي كادت أن تقتل فيه مكامن الإبداع وأرهف السمع له وهويقول : ليتني ماشفت في عينك دموع منظر الدمعة على خدك هلاك يامضوي في دجى عمري شموع الحزن ماخلق لعيون الملاك أتقدم لك بقلبي في خضوع ضح به في هيكل العمر لهواك أتحمل عنك كل أمر يلوع خذ هنا قلبي وخلف لي عناك من غرامك ماحمت قلبي دروع والشفا ياروح روحي في شفاك سعد البواردي هذا نموذج من تجربة الشاعر عبدالله الفيصل النبطية وهي موثقةٌ في ديوان مطبوع وأستغرب أن الأستاذ لا يعرف عنها شيئا وهو المتابع والمعاصر للساحة الأدبية , لعله الآن متيقن من رأيي , إذاً ما هذه الشكوكية وهذا التوجس الذي لامبرر له. من حق الأستاذ البواردي أن يعترفَ بفشل تجربته النبطية ومن حقه أيضاً أن يوثق هذه التجربة في ديوان مطبوع ولن اسأله لماذا؟ ولكن ما ليس من حقه هو أن يصادر رأيي وهو يحذر من (إعطاء الحكم المسبق بشكل عاطفي لا تسنده رؤية نقدية منهجية ) فإذا كلامه محض حكم عاطفي وهو يقول (أقول لصاحبنا السميح من قال لك هذا؟؟؟؟) ولتتأمل عزيزي القارئ كيف تكون الرؤية النقدية والأستاذ البورادي يقول (إن أروع ما في الشعر الفصيح والعامي هو تلك المقاربة إلى درجة التقاطع بينهما ....الخ) الا فليرحم الله الرؤية النقدية المنجية , وليسمح لي أستاذنا أن أقول إن هذا الكلام يعبر عن فاجعة لمفهوم الشعرية بعد هذه التجربة الطويلة مع الشعر. كل الأفكار يمكن مناقشتها وكل الآراء يمكن محاورتها إذا كنا نملك حصانةً من وعي ثقافي يحثنا على البناء لا الهدم وهذا ما أتوخاه في الأستاذ سعد البورادي، ولكن ما يحز في الضمير الأدبي هو هذا الإيحاء المحبط الذي ورد في آخر رده والذي يشي بأن مؤثرات القرب ورفض الآخر ,هي التي تحكم علاقات الكتاب , لكنني أؤكد له أن المشهد ليس بهذه السوداوية وأذكره بقول أبي تمام لصديقه علي بن الجهم: إن يختلف ماءُ الوصال فماؤنا عذب تَحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا أدب أقمناه مكان الوالد