"منى، هيفاء، نوف، سلمى، لطيفة"..زميلات دراسة تجمعهن أروقة الجامعة ومقاعد الدراسة وممراتها، وكن يلتقين معاً في بعض المناسبات الاجتماعية، ويتبادلن الزيارت المختلفة فيما بينهن. وانقضت "أيام الصحبة" اليومية بنهاية آخر يوم دراسي في الجامعة، ولكنهن أكدن بأن تلك الأيام وما اشتملت عليه من ذكريات جميلة لن تكون إلا ذكرى طيبة يتذكرنها خلال لقاءاتهن في المستقبل، وتحديداً عندما تكون هناك مناسبة تجمعهن مع بعض، مؤكدات على أن الفراق والبعد لن يكون نهاية علاقتهن وصداقتهن وما اشتملت عليه من ذكريات. .."منى"جاء لها التعيين في منطقة بعيدة وأصبحت خلال شهور معلمة وزوجة وأصبحت مسؤولة عن أسرة وأسرة صغيرة .."هيفاء" ذهبت لاكمال دراستها العليا في الخارج.. "نوف" باتت مخطوبة لشاب من أقاربها وتستعد للزواج بعد شهور.."سلمى" تقدم لها أكثر من شاب من معارف أسرتها لكنها لم تختر بعد الرجل الذي سوف ترتبط به؛ فهي دائما تردد أنها تريد أن تحسن الاختيار ولا تريد أن تتورط في زواج غير ناجح .."لطيفة" كانت محظوظة منذ يوم تخرجها، حيث عملت في أحد البنوك، ولديها حرف"واو" كبير داخل ملفها الاخضر..! لقاء تقليدي وعلى الرغم من ظروف كل واحدة وبعد المسافات.. فهذه في الدمام وتلك في الرياض وأخرى في الخبر ورابعة في قطر وخامسة في أمريكا، إلا أن شملهن يلتئم بين فترة وأخرى، من خلال مناسبات العيدين، وعن طريق المحادثات الهاتفية المطولة منها والعابرة وعبرالماسنجر والرسائل القصيرة، من خلال اثنتين تنقلان اخبارهن لبعض وبعدها تتولى مسؤولية توصيل آخر الأخبار والمستجدات الى الآخريات. "فشة خلق"! ومع ان هذه الطريقة كانت تأخذ أحيانا وقتاً.. ولكن دائما كانت التقنية والمامهن بها بصورة دقيقة، بل إن "هيفاء" كانت على قدر كبير من سبر غور التقنية ولها فضل كبير في تعليم بعضهن ماقد يخفى عليهن. التقنية اليوم هي الوسيلة الفاعلة في تواصلهن على الرغم من تباعد أماكن سكناهن، فهذه في الشرق وتلك في الغرب؛ ومع هذا اقترحن أن يخترن لهن يوماً في الاسبوع ليكون يوم اللقاء والدردشة و"فشة خلق" من المتاعب والهموم وتحدي الواقع والمسافات وحتى الظروف. مساء الاربعاء من كل اسبوع كان الوقت الذي تم اختياره ليكون الموعد المناسب، إلا في الحالات الطارئة أو لوجود مناسبة أو سفر ومع هذا تحاول كل واحدة منهن أن تتجاوز كل هذه المعوقات ويلتقين في ذات الموعد. وفي هذه الامسية تجري الحوارات الهادفة والنقاشات في أمور حياتهن اليومية؛ وتبادل النكت وحتى السخرية من بعض الأمور المشاعة في المجتمع، أوالمواضيع المنشورة هنا أوهناك.. فتيات جمعهن «البلاك بيري» في كل مكان تساؤلات في بداية الجلسة وعندما بدأن في اقتناء (البلاك بيري) كان القرارالحاسم والذي وافقن عليه جميعاً، وبمباركة هذه التقنية المثيرة فكان مجلسهن الافتراضي مساء الاربعاء.. مجلس يتخيلنه عبارة عن صالة واسعة مزدانة بالاكسسوارات واللوحات التشكيلية بعضها من البيئة السعودية، وتتوسط الحائط شاشة ديجتال عملاقة ونافذة واسعة تطل على حديقة غناء، وبها أكثر من نخلة واشجار ليمون ورمان. اخذت "منى" تحدق في صديقاتها؛ فهذه هيفاء بدت أكثر رشاقة والى النحافة أقرب؛ فهل للغربة والدراسة دور في ذلك أم أن اعتمادها على السير كما تقول مابين سكنها حيث تقيم مع شقيقها وزوجته الى الكلية التي تبعد مسافة، أم أن وراء ذلك شيئا تجهله ويجب أن تعرفه؟، أما "نوف" فهي باسمة دائماً، وهي تبدو أكثر اشراقاً وحتى سعادة عما كانت عليه في الجامعة، ويبدو أن للخطوبة والاستعداد للزواج دوراً في ذلك، أما "لطيفة" فقد تحولت إلى "دبة"، حيث زحفت السمنة على جسدها بصورة لافتة، والسؤال: هل العمل والجلوس بدون حركة نشطة ساهم في تراكم هذه الكميات من الشحم واللحم على جسد صديقتها الشابة والتي لم تتزوج بعد؟ بدأت جلساتهن تدور الاحاديث فيها عن كل شيء وفي كل شأن من الاحداث الدولية؛ الى الحراك الثقافي والاجتماعي؛ إلى الموضة وآخر صيحاتها؛ الى البطالة والفراغ وأمور أخرى!. أخبار محلية وفي إحدى الجلسات مضى عليهن وقت وهن يتناقشن في مسائل وشجون الطبخ ومايشتمل عليه من ابداع وفنون، وعندما قالت "سلمى" وهي ترسل للجميع رابطاً لأحد الأخبار المحزنة التي نشرتها "الرياض" عن الشاب العشريني الذي خطف حقيبة سيدة وتسبب تمسكها بحقيبتها إلى موتها وكيف كانت التعليقات وحجمها الكبير؟.. كم كان الخبر محزناً ومؤلماً، وكيف تصدى له قراء "الرياض" الكثر ومن خلال موقعها التفاعلي بالتعليق والتحليل ولكن الحادث مؤشر خطير لما يعانيه الشباب من بطالة وحاجة قد تدفعهم الى هذا التصرف غير المقبول. وراحت الصديقات يطالعن الخبر بحزن، بل إن "نوف" راحت تبكي بمرارة، وهي تقول واجب الدولة أن تبدأ سريعاً بصرف إعانة للبطاله؟، وراحت كل واحدة منهن تعلق من خلال وجهة نظرها؛ لكنهن أجمعن على ادانة مثل هذا التصرف، وصمت الجميع فترة كأنهن يمنحن أنفسهن فرصة لالتقاط الانفاس والساعة تشير إلى وقت متأخرعندما قالت "لطيفة" :لنشكر جميعا هذه التقنية التي جمعتنا وسوف تجمعنا دائماً في هذا المجلس الافتراضي، واعتقد انكم معي أن الحاجة للتقنية باتت أكثر من ضرورية في هذه الحياة؛ وحبذا لو تكون أسعار خدماتها مدروسة أكثر؛ فليس كل الناس لديهم مال يغطي مصاريف التقنية التي مدت اذرعها وبحجمها الكبير لتأخذ منا جزءاً ليس ببسيط من مصاريفنا الشهرية. لقاء آخر وقالت "سلمى" في مداخلة أخرى:"انت لديك راتب تستطيعين أن تدفعين من خلاله مصاريفك ومن ضمنها الهاتف؛ لكن اللي مثلي بدون عمل منذ التخرج، حيث تعتمد على ما يمنحه لها والدها؛ ماذا تقول؟، وكيف تسدد فواتير هذه الخدمة وغيرها؟، ومع هذا يجتاحني شعور بالراحة كلما التقيت معكن في هذا المجلس وكان الله في عون جيب الوالد اللي يسدد فواتيري وفواتير غيري ومنها البلاك بيري؟، فتضاحكن سعيدات وهن يودعن بعضاً إلى لقاء آخر في مجلسهن الافتراضي السعيد..