هل تُؤثر بنية الاتصالات والمعلومات في كفاءة المجتمع؟ في هذا التساؤل هدف نريد تحقيقه هو "كفاءة المجتمع"، وفيه أيضاً وسيلة يقع عليها التساؤل هي "بنية الاتصالات والمعلومات"؛ وموضوع التساؤل بالطبع هو مدى تأثير هذه الوسيلة في العمل على تحقيق هدف الكفاءة المنشود. للإجابة عن هذا التساؤل، لابُد من توضيح الهدف وتعريف الوسيلة وصولاً إلى النتيجة المطلوبة للتساؤل المطروح. الكفاءة في الحياة يُمكن اختصارها بكلمة واحدة هي "العطاء". لكن هذا العطاء نسبي، وليس مُطلقاً. والمقصود هنا أن تفعيل هذا العطاء، وزيادته كماً وتطويره نوعاً، يعتمد على الإمكانات والوسائل المُتاحة، ويعتمد أيضاً على حُسن استخدام هذه الإمكانات والوسائل. فما يُمكن تقديمه من عطاء مُقيد بما هو متوفر، ومحدود بالقدرة على الاستفادة من هذا المتوفر. وتأتي كفاءة المجتمع من كفاءة الإنسان وكفاءة المُؤسسات بشتى أشكالها وميادين عملها. ولعل التعليم والتأهيل المعرفي بين أهم وسائل زيادة كفاءة الإنسان على المستويين الشخصي والمهني. فالإنسان المُتعلم والمُؤهل مهنياً ليس فقط أكثر كفاءة من الإنسان الذي لم يحظَ بذلك على المستوى الشخصي، بل هو أيضاً قادر على خوض مجالات عمل معرفية مُتجددة يتمتع عطاؤها بقيمة متميزة ومرتفعة بالمقارنة مع المجالات الأخرى. وتتمتع بنية الاتصالات والمعلومات بأهمية خاصة في كفاءة الإنسان وعطائه، خصوصاً الإنسان المُتعلم والمُتطلع إلى المزيد من الاستفادة من المعرفة وتجددها. فبنية الاتصالات والمعلومات هي الهاتف والجوال وخدمات الاتصالات الرقمية، وهي الإذاعة والتلفزيون، وهي الإنترنت والمحتوى المعلوماتي عليها. ويشمل هذا المحتوى التعاملات الإلكترونية الحكومية وغير الحكومية؛ ويتضمن أيضاً التعليم الإلكتروني، والمعلومات والمعارف المُنتشرة على مُختلف مواقع الإنترنت. وتجدر الإشارة هنا إلى أن بنية الاتصالات والمعلومات ليست دائماً عامة ومتاحة للجميع، فهناك بنى اتصالات ومعلومات خاصة بمُؤسسات معينة تعمل على خدمة منسوبيها وتعزيز التواصل فيما بينهم بما يُلبي مُتطلبات هذه المُؤسسات ويُسهم في رفع كفاءة منسوبيها ومن ثم تحقيق أهدافها. ولبنية الاتصالات والمعلومات جانبان رئيسان في تعزيزها لكفاءة الإنسان. يكمن الجانب الأول في الخدمات الحكومية وغير الحكومية التي يحصل عليها الإنسان عبر الإنترنت والتي توفر وقته وجهده، وللوقت والجهد قيمة يُمكن الاستفادة منها في زيادة العطاء وتعزيز الكفاءة. أما الجانب الثاني من جوانب تعزيز كفاءة الإنسان فيرتبط بتوفير المعرفة وتسهيل الإطلاع عليها والاستفادة منها. ويتم ذلك من خلال المعلومات المُتاحة على المواقع، وعبر قنوات الاتصال. ويُضاف إلى ذلك أن مثل هذه المواقع ربما توفر معارف مُتقدمة، أو تحتوي على دورات تأهيلية عن طريق التعليم الإلكتروني. وهذا ما يزيد من إمكانات الإنسان ويُضيف إلى قدرته على العطاء وتطوير كفاءته. على أساس ما سبق، يتضح أن بنية الاتصالات والمعلومات تُعطي الإنسان وسيلة يستطيع الاستفادة منها في "تعزيز عطائه وتطوير كفاءته" على كُل من المستوى الشخصي، والمستوى المهني. لكن هذا الأمر لا يأتي دون بيئة عامة تسمح له بهذه الاستفادة، إضافة إلى إرادة شخصية تعززها. وتأتي أهمية هذه الإرادة من الآثار السلبية لبنية الاتصالات والمعلومات التي تقود إلى معلومات يُمكن أن تسهم ليس فقط في قتل وقت الإنسان، بل بما في انحرافه عن جادة الصواب أيضاً. إن في بنية الاتصالات وتقنية المعلومات خيراً كثيراً يُعزز العطاء ويُثري الكفاءة، لذا فالعمل على قياس مؤشرات هذه البنية ومتابعة تطويره دور كبير لتحقيق كفاءة المجتمع.