عقدت الجمعية السعودية لهندسة الاتصالات مُؤخراً مُؤتمراً ناجحاً في الرياض استقطب العديد من المُتخصصين العاملين في مُختلف مجالات قطاع الاتصالات الأكاديمية منها والمهنية. وتحدث في المُؤتمر أكثر من أربعين مُتحدثاً بينهم خمسة مُتحدثين دوليين. وقد حظيت تقنيات الاتصالات والمعلومات وما يرتبط بها من قضايا فنية تخصصية بالنصيب الأوفر من الحديث، بينما لم تحظ قضايا استخدام هذه التقنيات وما يرتبط بها من فوائد إلا بالقدر اليسير منه. ولعله لا غرابة في ذلك من مُنطلق أن المُؤتمر هو مُؤتمر هندسي محوره الأساس هو التقنية، وبعدها تأتي أمور استخدام التقنية والاستفادة منها. ما أود أن أطرحه هو أن قضية التقنية ينبغي ألا تُفصل عن قضية استخدامها بل ينبغي النظر إليهما كقضية واحدة. فالتقنية وإمكاناتها تبقى كامنة أو نائمة، ولا تصحو ويظهر بريقها إلا بالاستخدام، وبالذات الاستخدام الفعّال. ولعل في التالي ما يُلقي الضوء على هذا الأمر. هناك خمس حقائق رئيسة بشأن التقنية عموماً، وتقنيات الاتصالات والمعلومات بشكل خاص. الحقيقة الأولى هي أن التقنية تتمتع بموقع مهم في حياة الإنسان، وفي إطار تقنيات الاتصالات والمعلومات، باتت هذه التقنيات جزءاً من حياته ليس المهنية والمعرفية فقط، بل الاجتماعية والترفيهية أيضاً. والحقيقة الثانية هي أن التقنية مُكلفة ولها ثمن مادي وأن هذا الثمن يبقى ضائعاً إن لم يُؤدِ إلى فوائد، فهذه الفوائد يُمكن أن تجعل من هذا الثمن استثماراً مُربحاً وليس تكاليف ضائعة. أما الحقيقة الثالثة فتُكمل سابقتها وترتبط بفوائد التقنية الناتجة عن استخدامها، فتقنيات الاتصالات والمعلومات التي نحن بصددها وسيلة للتعامل مع المعلومات والمعارف تجعل هذا التعامل "أسرع"، ويتطلب جهداً وتكلفة "أقل"، ويُعطي نتائج تتمتع بنوعية "أعلى"، ويُوفر بيئة عمل تفتح "آفاقاً جديدة" للتطوير في شتى المجالات التي تحتاج إلى التعامل مع المعلومات. وتأتي الحقيقة الرابعة بعد ذلك لتبين أن فوائد التقنية لا تظهر إلى الوجود بالشكل المأمول، إن لم تحظ بالاستخدام الفعّال في بيئة مُناسبة. أما الحقيقة الخامسة فهي أن هذا العصر يتطلب أن نحصل على التقنية ونتعامل مع جميع حقائقها، ويتضمن ذلك: أن ندفع ثمنها، وأن نسعى إلى استخدامها والاستفادة من معطياتها، وأن نحرص على أن يكون هذا الاستخدام فعّالاً كي نصل إلى الفوائد المنشودة. فإن لم نفعل ذلك مع تقنيات الاتصالات والمعلومات فسنعاني من "العزلة الرقمية" وعدم التواصل مع الآخرين، وعدم الاستفادة من الخدمات المُتاحة والمُمكنة محلياً ودولياً. إذا نظرنا إلى الحقائق السابقة، فإننا نجد أن التقنية ليست هدفاً نتطلع إليه، بل هي وسيلة لفوائد يجب أن نسعى إلى تحقيقها. لا يكفي أن يكون لدينا أفضل الأجهزة والشبكات، ولا أن يكون لدينا أنظمة إنترنت عريضة النطاق وسريعة، أو أحدث الأجهزة والوسائل الخاصة بخدمات التعاملات الإلكترونية الحكومية والبنكية وغير ذلك من إمكانات تقنية. بالطبع أن يكون لدينا ذلك ضرورة في هذا العصر، لكنها لا تكفي. نحتاج معها إلى استخدام يُفعل إمكاناتها ويُحفز ما يُمكن أن تُعطي من فوائد. إن تفعيل الاستخدام يحتاج إلى أمرين رئيسين. أولهما وضع التقنية في البيئة اللازمة لتقديم خدماتها والاستفادة من فوائدها، ويحتاج ذلك إلى بنية تنظيمية جديدة للتعاملات والإجراءات والخدمات التي يحتاجها الإنسان وتستطيع تقنيات الاتصالات والمعلومات تقديمها له عن بُعد. أما الأمر الثاني فهو توعية الإنسان وتهيئته لاستخدام التقنية في بيئة التعاملات الجديدة من أجل تحقيق الفوائد المرجوة. والأمران بالطبع مُتكاملان وكلاهما يحتاج الآخر. إن في استخدام تقنية الاتصالات والمعلومات بالشكل المأمول سيكون نقلة نحو كفاءة أعلى لمُجتمعنا بأسره. هذا ما نريد أن نطرحه في مُؤتمر قادم حول قضية الاتصالات وتقنية المعلومات في إطارها الواسع.