مطربة كويتية تغني بلغة عبرية ، في وطن عربي ، وأمام جمهور عربي ، هل هذا الحدث يعد أمراً غير طبيعي ؟ أم انه جاء متوافقاً مع الوضع السائد وتناغماً معه في كثير من الجوانب السياسية والثقافية ، والتي أرهقت ذاكرة المواطن العربي بكثير من الأعمال التي لم يعد لها شيء تؤديه إلا تشتيت هذه الذاكرة وتمزيقها، وإن كان الأمر كذلك ، كيف نعتذر من العزيز شعبان عبد الرحيم الذي تغنى بكره إسرائيل ، ووضعته تلك الأغنية البسيطة في كلماتها العميقة في معناها في الصفوف الأمامية لمسيرة الجمهور الرافض لكل صور الانكسار والضعف الذي أصاب الوجدان العربي ، واستطاع هذا الإنسان البسيط أن يتقدم على الكثير من النخب في الوطن العربي بسبب عمل روى قضية الذاكرة العربية بصورة بسيطة وعفوية. هذه الفتاة أرادت بهذا العمل وعن غير قصد ، أن تكون صوتاً لذاكرة المحتل ونغماً آليًا يخاطب وجدان شعب تحاصره صور الانهزام والضعف أين ما ولا وجهه والذي لم يعد يملك من الأسلحة إلا صوت ذاكرته المعبر عنها فنياً وشعرياً ، فخاطبته بلغة لم يفهمها ولم تفهمها مطربة العبري أيضا ، وكأن هناك من قام بتركيب تلك الأغنية على صوتها ، لتصبح أقرب لغناء الآلات التي لا يعنيها أمر التاريخ أو حساباته شيئاً ،آلة يسجل عليها مشغلها ما يريد وتنطلق صوتاً بلا عاطفة أو موقف وكأنها جماد أراد أن يخاطب جماداً ، وكل من احتج بإنسانيته على هذا الفعل أصبح من الذين لا يتقبلون ثقافة التقنية التي لا تعترف بتاريخ كتب وجدانياً بصرخات الألم وقطرات الدم وأرواح الأطفال وحجارتهم . الغناء في العمل النضالي أو القومي دائماً ما يحمل رسالة صاحبه لكل من يعنيهم أمر قضيته ، وحتى الذين لا يعنيهم عله يكسب دمعة أو كلمة مؤيدة أو تصفيق يد محايدة ، وعزيزتنا الفنانة لو جاء غناؤها باللغة العبرية من أجل توصيل رسالتها للمحتل وبلغته لكان هذا العمل صورة من صور النضال المطلوب ، وللفنان الحق أن يغني بكل لغات العالم لتوصيل رسالته لكل أهل الدنيا كصاحب قضية معبر عنها بصوته ، ليزعج كل الضمائر الرافضين لحقوق أمته والمتخاذلين عنها . وقد يقول البعض إن صور التخاذل والانهزام كثيرة ومؤلمة في قضيتنا مع دعاة بناء الهيكل على أنقاض القدس الشريف ، ويستشهد في بعض القرارات السياسية ومواقف الساسة التي تخلت مجبرة أو راغبة عن حقوق أمتها ، إذن فما هو الجديد الذي جاءت به تلك الأغنية ، حتى أصبح أمر مطربتها شيئاً غير طبيعي وكان استثنائياً بشكله ومضمونه ، إن السياسة تعتمد على لعبة المصالح وعن طريق فن الممكن تسعى دائماً للحصول على المكاسب حتى لو جاءت هذه الأخيرة على حساب المواقف التاريخية ، ولكن الفن دائماً ما تحفظ فيه ذاكرة الشعوب ، وهو المعبر عن وجدانها بأسلوب يجعل النفس البشرية تتغذى وطنياً وقومياً على آلامها وأحزانها ،علها تجد في ذلك عزاء عن قصة الكرامة المفقودة ، وهنا تكمن روعته في تحفيز الذاكرة على اصطياد لحظات الأمل من بين سطور رواية اليأس المؤلم . والفن هو رسالة الشعب للشعب ، وهل نعز بذلك على إخواننا في الأرض المحتلة ، أم نغني مع البسيط المبدع "أنا بكره إسرائيل" بالعبري والعربي وبكل لغات العالم .