التغلب على الأحقاد وتجاوز العوائق تجاه الآخر قدرة عالية، لا يمتلكها إلاّ القلة. وممن أصبحوا مثالاً على ذلك في الإرث العربي: «الطرماح بن حكيم، والكميت الأسدي»، حتى قِيل للكميت: لا شيء أعجب من صفاء ما بينك وبين الطرماح، فكيف اتفقتما، مع تباين المذهب وشدة العصبية؟ فقال الكميت: «اتفقنا على بغض العامة». وهنا ومع الشعار «الكميتي» السابق، يكمن الاشكال ويجعلنا أمام نسق ثقافي لنسميه بداية «تجاوز إلى غير تجاوز»؛ لأنه لن يمكننا من التجاوز والعبور الحضاري قطعاً لما يحمله من دلالات التعالي، على الرغم من تجاوزه في عصرنا صورته الأولى، من «بغض العامة» إلى ما هو أبشع. ففي التيارات المعاصرة، نجد من الرموز المتناحرة من يعيد سيرة الطرماح وصاحبه ويا ليت الأمور مع المتوادين - بعد تقاذف من المنابر وفي أعمدة الصحف - وقفت عند حدود البغض للعامة، كما كان عند الكميت وصاحبه، بل تجاوزته إلى استغلال العامة تحت بنود بعض الفتاوى، عند رموز تيار، و«قم فاسقني النص مما حرموه»، عند رموز التيار الآخر. نعم هذه حقيقة الرموز التي باتت تتهاوى أمام ذيوع نزواتها، بعد ان كرست النصوص، لسفك العقول على عتبات أهدافها، ومن ثم التهمت الأخضر واليابس، لتجعل المجتمع أمام أبشع ارتكاسة على كافة الأصعدة، وليصبح العلاج النفسي والاجتماعي والفكري والحضاري مطلباً بل ضرورة، تبتغيها حالة مجتمع اتباعي، استغله الذين اتبعوا، ومن ثم أروهم العذاب، وقطعوا بهم الأسباب، لأن عامة المجتمع - وبحسب فتاوى الرموز الخاصة بالمريدين - يندرجون تحت حكم الضالة من الغنم، فهم لك أو لرمز آخر من التيار المعادي.