لا أظن أن أي من قرأ هذه الجريدة ينتظر من الكاتب أن يدله على أفضل برنامج لمتابعة حياته بنجاح وكفاءة. عصر الدعاة يقترب من نهايته. سيختفي ذاك الرجل الذي يقف على المنبر ممزقا آذان مستمعيه بسياط القبر وعذاب جهنم. إما أن يرددوا وراءه آمين، أو أن يزج بهم في النار دون هوادة. ستختفي كل الوصفات الجاهزة. لا توجد في الدنيا وصفة نجاح. كل إنسان ينجح بطريقته الخاصة وبأسلوبه. ما يقوله الآخر مهما كانت مصادره واستناداته واستشهاداته يبقى تجربة إنسانية قابلة للتفاهم والاستبدال. من يعرف الحقيقة؟ احتاج الإنسان إلى آلاف السنين ليصل إلى ما وصل إليه. يحلو للبعض على مستوى الأمم أن يقول إن الشيوعية انتهت. فشلت سقطت. على المستوى السياسي هذا الكلام صحيح. نشاهد هذا شاخصا في الدول التي تبنت الاشتراكية وتخلت عنها. لا أحد في الوقت نفسه يتنكر للتجربة الاشتراكية. تركت هذه التجربة الإنسانية الكبرى آثارها على شعوب الأرض . أنظمة التقاعد وحقوق العمال وتحديد ساعات العمل من أهم حسنات التجربة. وصول أوباما لقيادة الولاياتالمتحدة والعالم. هذه قصة يطول شرحها. البشرية مثل الإنسان الفرد تمر بمراحل نجاح وفشل. أساس حياة الإنسان هي التجربة. أسوأ شيء في حياة البشر تبرير الفشل. فشلت الشيوعية أن تكون نظاما متكاملا فانهارت. يعود الانهيار حسب تفسير المهووسين بها إلى أن قادتها والقائمين على تنفيذها لم يحسنوا تطبيقها. يبررون أن الخلل ليس فيها وإنما في الناس الذين لم يعرفوا كيف يستفيدون من عظمتها. كلام مليء بالادعاء. أخذت فرصتها كاملة وانتهت. التاريخ مليء بالتجارب المماثلة والادعاءات. كل الأمم التي تمسكت بالفشل تحت أي ادعاء بقيت معلقة في ماضيها. تعيش أحلام يقظة تبرر الفشل وتحمل الآخرين مسؤولية مآلاتها. تركت النضج وتحولت إلى الطفولة. التجربة التي انتهت يجب أن تترك لنهايتها. سيبقى منها ما يستحق البقاء وغير ذلك سيذوي. الحياة كلها مصنوعة. أتكلم على مستوى الحضارات من باب التشبيه ولكني أرمي إلى المسألة الشخصية أيضا. لا تبرر الخطأ لتمضي في فشلك. لا تلبس الخطأ بعدا أخلاقيا أو أسطوريا. أي فشل تواجهه لا تعتقد أن سببه طيبة قلبك وسوء الآخرين. لا أنسى عبارة يرددها بطل رواية خان الخليلي(نجيب محفوظ) (ألا قاتل الله الكرامة). يبرر فشله بكرامته. لم يكن متسلقا.لم يكن منافقا. هكذا كان يرى نفسه. لا يستطيع أن يرى النجاح.استبدله بالادعاءات الأخلاقية الفارغة. أخطر مرحلة بلغها أنه استعذب فشله. صار الفشل المحفوف بالأخلاق الحميدة طريقته وأسلوب حياته. تتبادل في ثقافتنا التبريرات الشخصية مع التبريرات الجماعية. تناغم غريب. تلاحظون الآن أن كل فشل نواجهه في حياتنا الثقافية والحضارية نبرره بالأخلاق. مثل قولنا: الحضارة الغربية مادية. أو قولنا (هم لهم الدنيا ونحن لنا الآخرة). لا نستطيع أن نواجه الحقيقة.هذا ينعكس على المستوى الشخصي. لا نريد النجاح، يكفينا دائما الفشل المبرر بالأخلاق سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى الحضاري الشامل. فكر في الموضوع جيدا.