لقد خطت بلادنا خطى واسعة نحو التطوير والبناء في مختلف الميادين الحضارية وكان ذلك من خلال أسس متوازنة ومعايير مدروسة ولكن تلك الخطى العملاقة تركت آثارها على واقعنا وأسلوب حياتنا وأخذت الآثار تشكل فجوة واضحة المعالم بين طرازين من الحياة الأول هو الطراز الذي كانت عليه الحياة قبل جيل من الزمن والثاني هو الطراز الذي عليه الحياة الآن ويكاد إغراء الحياة المعاصرة أن يخفي ملامح مشرقة وجميلة من وجه حياة مجتمعنا ،تلك الملامح العريقة التي استمرت منذ القدم وامتدت حتى جيل قريب وتوشك أن تحل محلها ملامح أكثر منها لمعاناً وإغراء ولكنها أدنى أصالة فلم يبقَ في حياتنا السابقة سوى الرواية والصورة وأشياء رمزية ومادية محدودة لا تبرزها إلا المناسبات أحياناً وتذكرها النفوس بشجن أحياناً أخرى، وفق هذا المنظور يخشى أن تزداد الهوة عمقاً بين ماضينا العريق وحاضرنا المتمدن إلى الحد الذي لا يمكن معه الربط بين جيلين متتاليين ونتيجة لذلك تطمر صورة الماضي المشعة وتضمحل أصالته العريقة وسط بريق الحداثة والتطور ،فالجزيرة العربية مهد المجد والبطولات زاخرة بالتراث بشتى فنونه وأوجهه ،وأسلوب الحياة في الجزيرة العربية هو مثال الحياة العربية الأصيلة في نمط معيشتها ومفردات عاداتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. من هذا المنطلق بدأت فكرة المهرجان الوطني للتراث والثقافة ومن أهم أهداف تنظيم هذا المهرجان التأكيد على أهمية التراث والعمل بكل جهد على إحيائه بشتى الوسائل والتصدي للمحاولات التي تستهدف التقليل من شأنه وإيضاح العلاقات التبادلية بين التراث والنمو الثقافي فكلاهما يؤثر ويتأثر بالآخر والهدف الشاغل لكل منهما هو صنع حضارة الأمم وإظهار الوجه الحضاري المشرق للتراث الثقافي والفني وإظهار جهود الآباء والأجداد في شتى ميادين المعرفة والإنجازات التي حققوها وربط حاضر هذه الأمة بماضيها المجيد وإتاحة الفرصة أمام الأجيال الشابة لزيادة معلوماتهم عن تراثهم بوصفه تربة خصبة لشتى المجالات الثقافية. الجنادرية مهرجان بدأ على استحياء خلف ظلال سباق الهجن السنوي ثم ما لبث أن بدأ يتوهج ويظهر نوره من خلف الظلال ،بصيص ثم شعلة ثم فنار إلى أن خاطبه البيت الأبيض من القارة البعيدة مشاركاً في حواراته وأفكاره وأصبح المهرجان سمة بارزة في أجندة الثقافة العربية والإسلامية والعالمية واستقطب خلال دوراته الماضية معظم رموز الفكر والثقافة والعلم والأدب من جميع أنحاء العالم فالسنوات القليلة التي مضت من عمر المهرجان قليلة العدد كثيرة التجربة والفوائد وما كان لهذا أن يتحقق لولا الله ثم عزيمة وإصرار القائمين على هذا المهرجان الذين واصلوا الليل بالنهار حتى يوصلوا المهرجان إلى هذه المكانة المتميزة. وبالأمس أعلن صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز نائب رئيس الحرس الوطني للشئون التنفيذية ونائب رئيس اللجنة العليا للمهرجان عن إطلاق (جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للتراث والثقافة) تقدم للباحثين والمهتمين بمجال التراث والثقافة على المستوى العالمي بحيث تنقسم إلى جزأين ؛جائزة للتراث وجائزة للثقافة ويخصص لكل منها مليون ريال إضافة لشهادة وميدالية باسم الجائزة تقدم سنوياً ابتداءً من الدورة القادمة للمهرجان. إن إطلاق هذه الجائزة يشكل نقلة نوعية يحتاجها المهرجان الوطني للتراث والثقافة لبدء مرحلة جديدة من مراحل التوهج وتعتبر أقوى تأثيراً وفعالية نحو إبراز التراث والثقافة والتي تشكل أحد أهدافه الرئيسية وتغيير في أسلوب الطرح للمشاركين من مرحلة الإلقاء والعرض إلى أسلوب المسابقة والمنافسة فيما يعمل ويقدم للحصول على الجائزة ونيل شرفها، وما ربط اسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتلك الجائزة إلا تشريف للمهرجان الوطني للتراث والثقافة وتقدير للقائمين عليه. * مستشار بالحرس الوطني