كتبت لكم ذات سلامة نية من خلال مقال عنونته ب "رحم الله زمن الرجال"، منذ أكثر من أربعة أعوام، ووقفت وأكثرت التفاصيل عن مخاوفي بعد تفشي ظاهرة زركشة موديلات الثياب الرجالية، وتضييقها، والميل للشعر المنسدل على الأكتاف بتماوج تارة، وأخرى سائحاً أو مربوطاً، وأيضاً تحدثت عن تخلي رجال عن مسؤوليات بيوتهم العائلية، وإن أنسى فلا أنسى كيف ثارت ثائرة رجال عتبوا علي ربط الرجولة بهكذا أمور أو موضات، ستأخذ وقتها وتنتهي، بل أذكر أن شاباً ظريفاً - أضحك الله سنه - هاج، وماج، وكتب معقباً "متشرهاً" علي، لأني - بزعمه - مسست رجولته وهو مطيل الشعر فقط، وعاد يذكرني ويخبرني عن طيبته، وإنه في خدمة أهله ويقضي لوازمهم، ويخرج بهم ومعهم، فكيف أنفي عنه الرجولة، وهو بتلك المواصفات الفريدة، وأصر أن يجلس في مساحة المقال بين المعقبين حتى أكتب له اعتذاراً وتراجعاً عن القذف!. وها هي ذي الآن تمضي سنون ليست أسابيع، ولا شهور، على هذه الوقفة تخللها (الطيحني، وبابا سامحني) وغيرهما مما تشعر معه أن أبناءنا فرحوا بالنعومة، وتمسكوا بها، وألفوها، لتنتشر أخبار الطامة الكبرى "هشومي" بميوعته وسيحان حاله، وها قد أعقبه "صلوحي" الآن كنماذج مخزية ومقززة، فلقد ارتخت الأقدام والخطوات، ونعُمت الأيادي، وزينت بالأساور والأظافر الناعمة، غير العقود وألوان الملابس وأشكالها. بل إن الجنس الثالث طالبوا بحقوق لهم، وضرورة إيمان المجتمع بهم، وبكيانهم في دول أخرى، وهذا بحد ذاته لا ينفع ولا يصلح في التعقيب بعده إلا باللاتعليق!. .. نعم كنت ومازلت أظن أن الحال جد خطير، والوضع بائس وحزين ومرير، (فالخكاريا) و(قوم مجدي) موجودون من سالف أزمان ندري!، ولكن بالخفاء وبلا جرأة، وأيضاً مهانون ومحتقرون ومنبوذون، واليوم نظراؤهم كثير، وبكل المراحل العمرية "عينك عينك"!. لا يكفي أن نعتلي منابر للتنظير، ونسرد الكلام الممجوج والمكرر، ونتحدث بلسان المثالية والعقلانية، عن أن الأمم والشعوب تقوم بجهد وعطاء شبابها، ونناقش الثقافة والتعليم، والمعطيات المعرفية والمعتقدية والعرفية، ونتجاهل البنية التحتية للمخرجات الأسرية، والمطالعة الدقيقة لمن يفترض سيحملون لواء الأبنية المستقبلية. .. نحتاج لحملة حقيقية، صارمة النوايا، ومتعقلة وحكيمة المبادئ؛ لنوقف إعادة واستنساخ، أو حتى مشابهة صور هشومي وصلوحي، ومن على نفس الشاكلة في الفكر، أو في اللباس، أو التفاهة، أو رفض الهوية، أو السير بخطوات الانسلاخ عن الرجولة شكلاً أو مضموناً. هو دور مجتمع بأكمله، بقطاعاته ومؤسساته وفلوله كافة، مسئولية أسرة وبيت تساهل واخطأ عندما اعتبر الموضوع حرية شخصية، أو حركات جنون شبابية وستنتهي، أو عده تطوراً ومواكبة لخطوط الموضة العالمية وبُعد عن الرجعية، والشيء نفسه تُلام عليه مدارس، ما بين إفراط قسوة وكبت، أو تفريط بالتقويم والمناصحة متناسية أن دورها "تربية"، ثم تعليم، ولا نزكي وسائل الإعلام المرئي قبل المسموع، والمقروء، لأفضليته عندهم، وهو بحركة بلا بركة، ولا تعاط رشيد لدوره الأساسي لا الاستثنائي، إذ إن تصيد الشباب وإيقافهم وتصويرهم لرصد تطور أحوالهم وتقليعاتهم وتفريج المشاهد عليهم ليس المطلب، فبلا شاشة من السهل حالياً رؤيتهم في كل مكان، وفي كل الأوقات، ولكن! أين البدائل والإرشاد والتوعية والتودد لهم وصنع بصمات تغيير عند عرضها؟ يستفيد الحاضر والغائب، ونلوم الجامع، والصديق، والجار، ورجل الأمن، إن لزم الأمر، ومع كل الاحترام لأجهزة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهم تحديداً من يناط بهم الحمل الثقيل، حيث نرى أن قرار تقييد رواد المنتزهات والمنتجعات بلبس الثوب بدل البنطلون مع أنه الأنسب لطقوس التنزه، والترويح، والأنس، والحركة، منعاً لمظاهر ومناظر سمجة هي قذى في عين الذوق العام، ليس بحل، فالأولى وضع شروط، والتشديد على الدخول بالهيئة والصورة الراقية والمعتدلة والمراعية لغيره، فلعل في ذلك مساعدة ومشاركة لهم في تحديد طابع المظهر المناسب، وإعادة الهيكلة المزاجية والفكرية وفق ضوابط مجتمعية. .. لا نبرئ أحداً، نتهم الآباء والأمهات بصفتهم وشخوصهم، والمديرين، والمعلمين، والمرشدين، والأئمة، والمشايخ، والإعلاميين، والمذيعين، وصنفي الأصدقاء، من حاملي المسك، ونافخي الكير، ومن روج للظاهرة وتبادل صور وإيميلات وبلوتوثات تلك الشخصيات الممسوخة، وكل من شهد المهازل والإمعية والهبوط ورضي وسكت، ولم يصنع شيئاً. لقد قلت في ذلك المقال أول الغيث قطرة، وها هي ذي بركة الوحل تزداد لزوجة، وبعض من يعدون رجالاً في ميوعة وعدد القطرات بازدياد!. .. ومع هذا لندون قبل الختام كلمة إنصاف بحق رجال حقيقيين بالسمة والسمات والصفات والاهتمامات، وعسى ألا يغضب أحد إن رفضنا نسب تلك النماذج لهم، أو قلنا رحم الله زمانهم.