أمريكا مرت برؤساء منهم من خاض الحروب الكبرى والصغرى، ومنهم من تطرف بقوة بلده، وآخر كان واعياً للعبة السياسية سواء أثناء التنافس مع السوفيات، أو القطبية الواحدة، لكن هل كانت تلك السياسات تؤدي دور المصلحة الأمريكية عندما غامرت بحروب خسرتها ووقعت في عثرات اقتصادية كبرى؟ فالمتطرفون مثل (دالس، وريغان، ونيكسون، وبوش الابن) وضعوا أمريكا في مواقع الخطر والصدام مع العالم كله، بينما كان كيندي وكارتر وبعض المؤسسين «براغماتيين» سواء في نظرتهم لاحترام القوانين الدولية، أو في عدم الانزلاق بالغرق في شؤون القوى الصغرى، فكانوا محل احترام دولي من مختلف الشعوب، فيما الآخرون جعلوا الناس في حالة حرب باردة عندما أطلقوا مفاهيم مثل المحافظون الجدد، والفوضى الخلاقة، كهموم لأمريكا في الشؤون الخارجية، والتي ولّدت أزمات لا تزال تواجهها بصعوبة.. على خط الوسط حاول الرئيس «أوباما» أن يكون داعية إصلاح وسلام مخاطباً مختلف الشعوب بلغة لم تعهدها من القوة العظمى، غير أن البدايات تظل مجرد رفع شعارات تستهلكها قوائم الاحتياجات الأساسية، وقوى الداخل التي ترسم لكل رئيس خطواته، ولعل أوباما غامر عندما حاول أن يكون داعية تعايش وسلام، في وقت لا تعيش بلده إلا على واقع دفع الحروب أو خلقها، أو التدخل فيها، لأنها العائد الأكبر سياسياً واقتصادياً والتي تؤكد فرض هيبتها على الأصدقاء والأعداء، ولعل الرئيس أوباما أدرك عمق الشبكة المحيطة بالرئاسة وأنها لا تنسجم مع طروحاته، بل وخفضت نسبة المؤيدين له في الداخل، وكان أهم شاهد على الفشل مشوار السلام العربي - الإسرائيلي، الذي أصبح يزحف بدلاً من أن يستعين بعكازين.. إسرائيل وجدت في أوباما الشخصية الضعيفة أمام اتخاذ القرارات، فتصلبت في مواقفها بما هو أشد ممن دعموها من الرؤساء السابقين والتي تخشى اختلال التوازن معهم مهما كانت الصلات القوية، ولذلك كان كل مندوب أمريكي يصل إليها يقابَل بالتوسع على الأرض الفلسطينية، حتى إن التقديرات رأت أن هذا العصيان الإسرائيلي والتصرف بإرادتها ودون التفاتٍ للرئاسة الأمريكية، جاء نتيجة صفقة سرية يقايض بها التوسع مقابل الكف عن ضرب إيران، وأن الزعيم «البلوشي» سُلم أيضاً من قبل الاستخبارات الأمريكية مقابل صفقة أخرى مع إيران وبوساطة إسرائيلية.. أمام إسرائيل نشهد أن أوباما مغلول اليدين، وهو أمر طبيعي طالما هي الوصفة السياسية الدائمة والعلاج الثابت في كل المنطقة، حروبها وسلامها، لكن مع أوباما ربما تبقى العقدة أهم، أي أن موضوع الفصل العنصري يبقى قائماً، وإن بشكل مستتر، أما أن يكون سيداً على البيض المتنفذين، فهو أمر قرره الشعب وأعطاه الثقة المطلقة، غير أن من يحكمون هذه المجاميع، هم الذين يلعبون الأدوار الشاملة في وضع الاستراتيجيات وتنفيذ مهامها، وهذا لا يعني إلغاء دور أوباما، لكنه يبقى الأقل هيمنة من سابقيه حتى لو كفل له الدستور بعض الصلاحيات، طالما الفريق النافذ هو من يعطلها، وهذا ما نراه في حالة إسرائيل التي تتصرف فوق صلاحيات الدولة العظمى وقادتها..