** من النادر أن تُذكر العسكرية مرتبطة بالفكر المدني..أو المؤسسي..أو الاجتماعي..وذلك بحكم طبيعة "الضبط" و"الربط" التي يتمتع بها هذا السلك المهاب في كل الأزمنة والمجتمعات. ** ومن النادر أيضاً أن يقترن الفعل الثقافي العام بعمل المؤسسة العسكرية المشغولة بكل ما يوفر سبل السلامة والقوة والعزة والمنعة للأوطان.. ** لكن الحرس الوطني في المملكة العربية السعودية قدم منذ خمسة وعشرين عاماً..نموذجاً مختلفاً للمؤسسة العسكرية النابهة حشد من خلاله فكراً جديداً..وحضارياً..ليس على مستوى منسوبيه فقط..وإنما على المستوى الإقليمي والعالمي أيضاً..وذلك عندما اعتمد "مهرجان الجنادرية" كصيغة مبتكرة تزاوج بين الفكرين المدني والعسكري.. ** وقد أثبت الحرس- بحق- أن العسكرية كمصدر أساسي من مصادر قوة الدول والشعوب..تستمد تلك القوة من امتلاكها لأدوات التفكير العلمي والمنهجي ثم من التفاعل مع الحضارة الإنسانية والاتصال بتجاربها العميقة..وثرواتها الثقافية الأصيلة باستمرار.. ** وعندما يجتمع المفكرون من كل مكان في هذا العالم في مهرجان الجنادرية كل عام..ويطلقون عنان فكرهم ويخوضون في رحاب المعرفة الواسعة..بكل ما انطوت عليه من اتجاهات فكرية متنوعة..فإنهم يؤكدون بذلك أن "الحرس الوطني"الذي يرعى هذا التلاحم بين القوة الفكرية والقوة العسكرية..قد نجح في طرح نموذج مبتكر وفريد يزاوج بين القوتين..بحيث يعزز كل منهما القوة الأخرى..ويترجم مدى اتساع الرؤية لدى مؤسسة الحرس الوطني العسكرية لاستيعاب كل تجارب العالم وتياراته..وصولاً إلى رؤية عالمية موحدة..نحو قضايا العالم ومشكلاته وهمومه..وتطلعات شعوبه في آن معاً. ** ولأن هذا التوجه قد ولد مبكراً لدى الملك الإنسان عبدالله بن عبدالعزيز منذ تبنيه مؤسسة الحرس الوطني..وابتكاره لصيغة هذا المهرجان كقاعدة انطلاق إلى عالم حضاري أرحب..فإنه لا يصبح مستغرباً اليوم وقد تبلورت هذه الصيغة لتتحول إلى دعوة عالمية للتعايش بين شعوب الأرض على اختلاف أديانها وثقافاتها وتوجهاتها.. ** واستكمالاً لهذا التوجه الاستراتيجي الأبعاد..فإنه ليس غريباً أن يعلن الأمير متعب بن عبدالله بنعبد العزيز وهو "الحاضن"الأول لهذا النشاط الحضاري المتميز عن اعتماد جائزتين عالميتين إحداهما للثقافة والأخرى للتراث ابتداء من هذا العام، لأن ذلك يأتي في سياق المنهجية العلمية التي تأسس عليها الحرس وأدرك معها مدى حاجة المجتمعات إلى عبور الجسر الوهمي الفاصل بين المؤسسات المدنية والعسكرية..وتأكيد القدرة الخلاقة لدى القائمين على مؤسسة الحرس الوطني على أن الدول والشعوب بحاجة قصوى إلى توظيف كافة إمكاناتها وكافة قدراتها الثقافية والعسكرية لصناعة الخير للإنسان.. ** فإذا كانت القوة العسكرية تحمي الدول والشعوب من التعدي على سيادتها..فإن القوة الفكرية تُحصِّن هذه الدول وتلك الشعوب ضد الكثير من الأخطار المحدقة بها..والمخترقة لنسيجها الاجتماعي والثقافي والإنساني..وإن في توظيف القوتين معاً أكبر ضمان لبقاء النوع البشري واستمرار الحضارة الإنسانية إلى أبد الآبدين.. ** ولكي يعبّر الحرس عن هذا المفهوم بصورة سلسة..فقد جاءت الفكرة الإضافية الجديدة بتنفيذ مشروع (المنطاد) الذي سيجوب كل الآفاق وينشر رسالة الحب والسلام والأمان التي يتبناها الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى كل الدنيا.. ** وبالتأكيد فإن هناك المزيد والمزيد مما سيفاجئنا به الأمير متعب في المستقبل..ليجسد بذلك إرادة الفعل الحضاري الذي يتوشح به الحرس الوطني وينشره في كل مكان من هذا العالم ويؤكد معه أن المملكة العربية السعودية صاحبة رسالة..وأن الإسلام الذي تقوم عليه..وتنطلق مسيرتها من تعاليمه..هو في خدمة الإنسانية ومصدر تقدمها الحقيقي..وليس العكس.. *** ضمير مستتر: **(هناك من يصنعون المستقبل لشعوبهم..وهناك من يجلبون الدمار لها).