"صالح" مواطن صالح جدا، ملتزم بكل القوانين المكتوبة والمقروءة والمسموعة والمختفية والمخترعة، منذ صغره وهو يطلق عليه "بس الساس" هو لا يحب أن يغضب أحدا، ويكره الصوت العالي و"في حاله وما عليه من أحد". في المدرسة كان أكثر الطلبة التزاما بقوانين المدرسة غير المكتوبة، ولأن "صالح" يجلس بجانب "الساس" فإنه مشاهد جيد لما يحدث حوله، فهو يلاحظ كيف أن "حمد" هذا المشاغب الذي يقول إن الدراسة آخر همه ينجح في الحصول على ما يريد، فهو يتحدث مع أستاذ "حاكم" ويعتذر له عن تأخره في تسليم واجب ما وبطريقة ما ينجح دائما في الحصول على استثناء وينجح دائما في الانتقال للمرحلة الدراسية التالية تحت بند "دفوه معليش لم ينقص سوى علامتين أو ثلاث أو فكونا من شره وتخلصوا منه حتى ينجح ويذهب لمدرسة أخرى ويصبح مشكلتهم". "صالح" و"حمد" نجحا وتخرجا سوية لم يتخلف أو يتقدم أحدهما عن الآخر رغم كل الاختلافات بينهما في الجد والاجتهاد وحتى مستوى الذكاء المهني! صالح لم يتساءل يوما لماذا "حمد" معه في كل خطوة فهو مشغول بنفسه؟ لكن قد نتساءل نحن كيف يمكن "لحمد" بكل استهتاره وعدم اهتمامه أن يتخرج بدون أن يتخلف عاما أو عامين عن صالح وغيره من المتفوقين؟ . نسيت أن أخبركم أن "حمد" تفوق على "صالح" في الحصول على بعثة لدراسة الماجستير رغم معدل صالح المرتفع ومعدل "حمد" الهزيل "المنسدح"، اللجنة المسؤولة عن الابتعاث في الكلية التي يعملان فيها اكدت "لصالح" بأن أماكن الابتعاث محدودة وأنه يمكنه أن يجرب مرة أخرى، "صالح" لم يناقش ولم يسأل خاصة وأنه يؤمن أن مامن باب "يغلق" إلا ويفتح غيره وانتقل لوظيفة في مكان آخر لأنه لا يستطيع أن يبقى في مكان يشعر أنه ظلم فيه. لكن في كل مكان هناك "حمد" وأشباهه وهؤلاء ينجحون في البقاء والحصول على ما يريدون وذلك لأنهم "يعرفون من أين تؤكل الكتف؟" أو لأنهم محظوظون!. "فصالح" لا يفهم لماذا يرفض طلبه للإجازة لأن مصلحة العمل لا تسمح بينما أمثال "حمد" يختفون ما بين بدء الدوام إلى نهايته ويحصلون على إجازاتهم وترقياتهم في وقتها وبسلاسة وبدون أن يلفوا السبع وعشريبن لفة؟!! كما قلت لكم "صالح" إنسان مؤدب جدا، فهو من الأشخاص الذين يحبون أن يقفوا في الطابور ويلتزم بالدور حتى لو كان في مطعم للوجبات السريعة أو أمام مخبز التميس ويحاول جيدا أن يحافظ على مكانه في الطابور لكن المتزاحمين يرمون به يسارا أو يمينا ليصب عليه الواقف على الطرف الآخر جام غضبه صارخا في وجهه أن يلتزم بالطابور وأنه لن يأخذ أوراقه أو لن يعطيه "التميس البسكوتي!" مالم يقف في الطابور! كما أن "صالح" كثيرا ما يتجاهله الموظفون في أي مصلحة حكومية أو خاصة، فهو لا يعرف لماذا يصر موظف البنك أو حتى موظف الاستقبال في أي عيادة أن يغلق الشباك فور وصوله له ويسأله أن يذهب للشباك الآخر أو الموظف الآخر، وهو لا يعرف لماذا حين يركض ليتابع معاملة ما ويجلس أمام الموظف المسؤول ومعه أوراقه كاملة يصر الموظف أن يمد يده لشخص آخر ويسلم عليه قائلا:" أهلين أبو سليمان كيف الحال؟ أبشر..إحنا تحت أمرك!". "صالح" لايمكن أن يستفز ليقطع إشاره أو ينطلق من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار معاندا السير، لكنه حصل على مخالفة مرورية لأنه وعند الإشارة تعدى خط المشاة رغم أن صاحب "الهامر" الذي بجانبه تعدى الاشارة نفسها واعتدى على لونها الأحمر! كما قلت لكم صالح مواطن "صالح جدا! لكنه يفتقر لقليل من الحظ وكثير من الذكاء الاجتماعي!