بدأت قضية الاغتيال الاقتصادي قديما مع نشأة المجتمعات البشرية، ولم يعرف بشكله المنظم إلا خلال فترة الاستعمار الذي كانت تمارسه الدول الأقوى لاستنزاف خيرات الأمم والشعوب الأقل قوة، ثم أصبح يأخذ صورا متعددة ومعقدة يوظف لها خبراء متخصصون في دراسة أحوال البلدان وطبيعة أنظمتها السياسة لمعرفة أفضل الطرق لاستغلال خيراتها لصالح نخبة من رجال الأعمال والسياسة أو ما يعرف بحكم منظومة الشركات الكبرى، والتي تهدف إلى إيجاد ظروف تؤدي إلى خضوع الدول النامية لهيمنة هذه النخبة التي تدير الحكومة والشركات والبنوك. وكما أسلفنا فإن الاغتيال الاقتصادي في ظل العولمة والانفتاح التجاري والإعلامي قد يأتي في صور مشروعة في الظاهر مثل تقديم قروض للدول النامية بغرض تطوير البنية الأساسية ومحطات الطاقة والطرق والمطارات والمواني والمدن الصناعية بشرط أن تقوم المكاتب الهندسية والشركات التابعة لهذه المنظومة بإعداد الدراسات وتنفيذ هذه المشروعات بمعنى أن تتحول هذه المبالغ من حسابات النخبة إلى حسابات النخبة نفسها داخل البلد المانحة وبشكل فوري، لتبقى البلدان النامية المتلقية مطالبة بسداد أصل القرض والفوائد. ولاشك أن هؤلاء الخبراء يغلفون هذا الاغتيال بنوع من مخادعة الأرقام لتأثير هذه الاستثمارات على النمو الاقتصادي المتوقع، بحيث يكون نمو الناتج القومي نتيجة استفادة أقلية من النخبة على حساب الأغلبية المسحوقة ومع ذلك يعتبر من الناحية الاقتصادية تقدما اقتصاديا، وتقدر الأممالمتحدة بأنه يمكن تأمين المياه النظيفة والتغذية الكافية والخدمات الصحية والتعليم الأساسي لكل إنسان على وجه الأرض بأقل من تكلفة الأرقام المعلنة للحرب على الإرهاب . ومن جهة أخرى يعد قيام بعض الشركات المساهمة الكبرى التي تعمل لصالح نخبة المؤسسين دون أي حقوق فعلية للمساهمين نوعا من الاغتيال الاقتصادي، بدليل أن الأرباح الموزعة على المساهمين لا تذكر أما الخسائر فسيتحملها كل مساهم رغم أنفه، وهذه القضية لن تحل بما يعرف بحوكمة الشركات إن وجدت، دون إعادة توازن بين حقوق المؤسسين والمساهمين في هذه الشركات والإلزام بالشفافية والمراقبة والمحاسبة، أما ما يحدث للمواطن في أسواق المال والمساهمات العقارية وارتفاع الأسعار وعقود الإذعان في خدمات الاتصالات والنقل والتأمين وقطاع الإسكان والعقار والبنوك والقروض التي رهنت المواطنين لسنوات قادمة فهي كارثة اقتصادية معلنة. ونخلص إلى أن الأمن الاقتصادي في هذه القضية لن يتحقق دون الحد من سيطرة وتحكم الأجانب بالأنشطة الاقتصادية أو استئثار بعض الشركات بعقود بالمليارات دون أن تساهم في الدورة الاقتصادية حيث تتم الدراسات والتنفيذ بأيد غير وطنية وفي النهاية تذهب هذه المبالغ إلى حسابات خارجية لأنها لا تنتمي لهذا الوطن حقيقة وانتماء، وبالجملة لا يمكن تحقيق الحماية دون حفظ حقوق المواطن الذي يعتبر المنشأة الصغيرة التي تحرك الاقتصاد فهو يسدد الرسوم الحكومية ويدفع لقطاع الخدمات والطاقة والاتصالات والغذاء والدواء والإسكان والبنوك والتأمين وغيرها، فإذا أضفنا هذه الجزئيات لبعضها البعض أصبح لدينا منشأة كبيرة هي الاقتصاد، والاقتصاد هو الوطن، والوطن هو نحن!.