تشير التقديرات إلى أن الناتج المحلي العالمي الحقيقي سوف ينمو هذا العام بنسبة 3.7%. وتحتل الصين رأس قائمة البلدان التي سوف ينمو اقتصادها بوتائر عالية، حيث من الموقع أن يصل هذا المؤشر في الصين إلى 9.6%. تليها بلدان شرق آسيا، ماعدا اليابان، بمعدل نمو نسبته 6.8%. وتأتي منطقة جنوب الصحراء الأفريقية في المرتبة الثالثة بما نسبته 4.36%. أما بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فمن المتوقع أن ينمو اقتصادها هذا العام بنسبة 4.2%. وسوف تقود الجهات المشار إليها، بالإضافة إلى أوروبا الشرقية، نمو الاقتصاد العالمي خلال السنوات القادمة أيضاً. فبفضل هذه البلدان سوف ينمو الاقتصاد العالمي عام 2014 بمتوسط نسبته 4.2%. بالمقابل فإن نمو اقتصاد البلدان الصناعية التقليدية، باستثناء منطقة اليورو، سوف يتراجع خلال الفترة من 2010 وحتى 2014. فاقتصاد الولاياتالمتحدة الذي من المتوقع أن يسجل هذا العام نمو نسبة 2.8% سوف يتراجع عام 2014 إلى 2.3% واليابان من 1.4% إلى 0.9% على التوالي. أما منطقة اليورو فإنه من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي فيها هذا العام إلى 0.9% وفي 2014 إلى 2.0%. وتعكس هذه الظاهر عملية انتقال مركز القوة في العالم تدريجياً من الشمال إلى الجنوب. طبعاً في هذا المجال لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن نمو اقتصاد ضخم كالاقتصاد الأمريكي الذي يتعدى حجمه 14 تريليون دولار بنسبة 2.8% يختلف عن معدل نمو أي اقتصاد آخر. فمن حيث القيمة المطلقة لا النسبية لا يضاهي حجم الإنتاج في الولاياتالمتحدة إنتاج أي اقتصاد آخر. ورغم ذلك فإن التراكم التدريجي لإنتاج الخيرات المادية في آسيا من شأنه بعد عدة سنوات أن يحول الكمية إلى كيفية. ولذلك فإن التوقعات تشير إلى أن اقتصاد الصين سوف يحتل المرتبة الأولى في العالم بعد 2025. وأعتقد أن المملكة وبلدان مجلس التعاون الخليجي سوف تكون من البلدان الرائدة في معدلات النمو الاقتصادي. فأسعار النفط، مثلما نرى، تحوم الآن حول 80 دولاراً للبرميل. ومع تحسن الاقتصاد العالمي وارتفاع معدلات نموه فإن الطلب العالمي على النفط سوف يزداد خلال السنوات القادمة. ولذلك فإن أسعار النفط في الفترة المقبلة سوف ترتفع. ومعها ستزداد عائدات بلدان المجلس. وهذا يعني مزيداً من الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري الحكومي- هذا الإنفاق الذي يعتبر قاطرة النمو في كافة بلداننا الخليجية. من ناحية أخرى فإنه من أجل المحافظة على معدلات نمو اقتصاد بلداننا، بل ورفعه إلى معدلات أعلى في المستقبل، يتحتم علينا إحداث تنمية مستدامة بعيدة عن عائدات النفط. وهذا يعني ضمن ما يعني إنشاء قطاع أعمال خليجي قوي وشركات خليجية منتجة ضخمة. وهذه مهمة القطاع الحكومي في دول مجلس التعاون. فشركة هوينداي وسامسونج الكوريتان الجنوبيتان قد نشأتا في أحضان الدعم الحكومي، وذلك ضمن التجربة المعروفة على نطاق واسع باسم نموذج "الشيبول" Model Chaebol. كما أن الصين تدعم بقوة شركاتها التي تعتبر ذراعها الطولي للاستحواذ أو الاستيلاء على مثيلاتها في الخارج. ويكتسب أهمية في المجال-كحد أدنى- العمل على إزالة العديد من المعوقات التي تحول دون زيادة نسبة الإنفاق الاستثماري الخاص. فبدون زيادة هذا الإنفاق فإن الحديث عن اقتصاد خليجي قوي وسوق خليجية مشتركة قوية ما هو إلا أضغاث أحلام. فالإنفاق الحكومي، في دول مجلس التعاون، رغم الدور المتميز والريادي الذي يلعبه في الاقتصاد يعتبر إنفاقاً مؤقتاً يسعى، وفقاً لكل خطط التنمية الحكومية وبرامجها إلى إنشاء قطاع خاص قوي يمكن الاعتماد عليه عندما تقل العائدات النفطية. فبدون هذا القطاع القوي سوف يكون من الصعب على دول المجلس تحقيق التنمية المستدامة. فالبلدان المشار إليها في البداية، والتي سوف تقود نمو الاقتصاد العالمي في المستقبل سوف تعتمد على قطاع أعمالها الفتي القوي وشركاتها المنتجة الضخمة.