قد يكون غير مفاجئاً أن 47% من العينة التي استطلعت آراؤها عبر (الرياض الالكتروني) يرون أن نظام الرهن العقاري لن يستفيد منه عامة الناس.. وبالتأكيد لا يلام الناس عندما يسألون في نظام لا يمكن التنبؤ بتأثيره المباشر على حياتهم.. خاصة – وهذا جانب مهم جداً – أن أي تعامل اقتصادي؛ تحكمه في الغالب؛ بل وتسيره عوامل نفسية؛ تحاط بفيض من الأحاديث وإن شئت الإشاعات.. . إعلاميا.. الكل يتحدث عن هذا النظام؛ من يدرك أبعاده، ومن لا يدرك إيجابياته؛ بل إنه في أحيان كثيرة أصبح وسيلة للظهور الإعلامي.. مجرد الظهور.. للرهن العقاري جانب لم يتحدث عنه؛ وهو أنه يمكن أن يكون أحد الدخول القومية؛ من خلال إدخال الأصول العقارية في دورة رأس المال من خلال تحويها إلى (صكوك)؛ تطرح للتداول في السوق الثانوية.. هذا الأمر في أقصى حدوده يمكن أن يضخ أكثر من 2 تريليون ريال (حجم الأصول العقارية) إلى الدورة الاقتصادية، والأهم أن مثل هذا التوجه من أهم الوسائل لحفز المشاريع المتوسطة التي يمكن للشباب تبنيها واستقطاب آخرين لها.. (مثال: مواطن يرهن مسكنه بقيمة 700 ألف ريال؛ يضخها في مصنع للبسكويت والمعمول، يوظف 12 عاملاً منهم 4 سعوديين، وصافي الدخل السنوي يزيد عن 100 ألف ريال)؛ يقوم بتوجيه قسم من الدخل لسداد قيمة الرهن، والباقي من صافي الدخل لصاحب المشروع.. في المقابل البنك الذي مول المواطن، يحول قيمة الدين (700ألف) إلى صكوك تباع للتداول في السوق؛ ومن ثم يسترد البنك القيمة نقدياً ويبيع الدين على هيئة صكوك.. وبالمناسبة هذا المثال يوضح الجانب الآخر لأهمية الرهن؛ غير تلك التي تعزز من الزاميته لتملك المساكن. تنتظر جميع الأوساط في السعودية وتتطلع - بكل تفاؤل - لتلبية طموحاتهم لتملك منازل في الوقت الحالي إلى تطبيق قانون الرهن العقاري، الذي يعول عليه الكثير في تصحيح السوق وإعطاء دفعة قوية لقطاع العقار، وضخ الأموال اللازمة وإطلاق جماح الطلب على السكن في المملكة. وأثار نظام الرهن العقاري خلال السنتين الماضيتين الكثير من الجدل في الساحة المحلية السعودية، واستطاع خلال هذه الفترة أن يعيد الحيوية إلى قطاع العقار مرة أخرى، خصوصا مع خسائر الأسهم المتلاحقة التي كانت قد أغرت أرباحها رساميل المستثمرين في القطاع العقاري. وكان معالي وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف أعلن خلال منتدى التنافسية الدولي 2010 الذي عقد في الرياض أواخر الشهر الماضي أن الرهن سيطبق قريباً. وتعكف المملكة العربية السعودية حالياً على وضع اللمسات الأخيرة لمشروع الرهن العقاري الذي يعتبره الكثيرون أنه مشروع متكامل وأحكامه مميزة، ووصفوه بأنه أفضل ما تم تطبيقه في العالم. وبدأ المستثمرون في السعودية في تأسيس شركات تمويل ورهن عقاري استعداداً لتلبية الطلب المتنامي على المساكن والعقارات، حيث يحتاج سوق العقارات والمساكن في السعودية ما يصل إلى 200 ألف وحدة سكنية، في وقت تفتقر فيه كثير من العائلات ومشتري العقارات والمساكن إلى آليات تمويلية كافية، إذ تنحصر التمويلات بين المؤسسات الحكومية مثل صندوق التنمية العقاري وصندوق التقاعد والمصارف. وتعاني السوق العقارية قلة في شركات التمويل التي تقوم بتقديم منتجات تمويلية عقارية وسكنية متنوعة تلبي أشكال الطلب العقاري المختلفة سواء لشراء الشقق أو الفلل أو حتى الأغراض التجارية والصناعية، وهو ما دفع شركات تمويلية متخصصة خارج المملكة إلى التوسع باتجاه السعودية. وتعاني أعداد كبيرة من السعوديين، خصوصا طبقة الدخول المنخفضة والمتوسطة، من عدم قدرتهم على الاستفادة من خدمات التمويل، في ظل مؤسسات إقراض تقليدية لا تفي بالغرض، مثل البنوك، وهي المصدر الوحيد لسبل التمويل في السعودية، إذ تعاني هذه المؤسسات من عدم التوافق بين ما لديها من مصادر تمويل قصيرة الأمد، وبين متطلبات التمويل السكني طويلة الأمد. وتوقع تقرير حول التمويل العقاري في السعودية، أن تبلغ قيمة عمليات بناء الوحدات السكنية الجديدة في السعودية نحو 484 مليار ريال خلال العام 2010 ، مؤكداً أنه من اجل استيفاء الطلب على العقار حتى العام 2020 سيتم بناء نحو 62.2 مليون وحدة سكنية جديدة، كما ستبلغ الاستثمارات في بناء المساكن الجديدة نحو 2,1 تريليون ريال بحلول العام 2020. ويرى عاملون في القطاع العقاري السعودي أن نظام الرهن العقاري ستكون له فوائد بالغة التأثير، سواء على السوق العقاري أو البنوك نفسها التي ستضطر إلى تحديث برامجها وخدماتها وتطويرها إلى الأفضل حتى تتمكن من تلبية احتياجات القطاع العقاري خلال المرحلة المقبلة. ودعوا إلى وضع استراتيجية تعاون بين البنوك المحلية والقطاعات الاستثمارية النشطة، وفي مقدمة ذلك القطاع العقاري، ورأوا أن نظام الرهن العقاري يمكن أن يكون الباب المناسب لمثل هذا التعاون. وأوضحوا أن النقاط الإيجابية تتمثل في أن الرهن العقاري سيكون الإطار الشرعي لمسألة الاقتراض، حيث يطبق الرهن قوانين الشريعة الإسلامية في التعاملات المالية مما سيساعد في ازدياد طالبي القروض وازدياد الطلب على السكن. كما سيعمل الرهن على ازدياد أعداد الراغبين في تملك السكن، وبالتالي نقص الطلب على الوحدات السكنية التأجيرية، وتحقيق جانب الضغط على أسعار الوحدات السكنية مما سيؤدي إلى انخفاض أسعار البيع والتنافس بين المطورين، ويحفز المطورين المحليين على زيادة بناء الوحدات السكنية مما يساهم في دفع عجلة التنمية من جانب قطاع المقاولات والجوانب المرتبطة به. واستبعد عقاريون أن يمر الرهن العقاري في المملكة بأزمة كالتي حدثت في الولاياتالمتحدة الأميركية، مرجعين ذلك إلى أن المشروع تفادى في بنوده كل الاحتمالات التي يمكن أن تقود إلى نتائج غير جيدة سواء بالنسبة للقطاع العقاري أو المصرفي، كما أنه لن يؤثر في أسعار الأراضي ومواد البناء. وانتقد مستثمرون ومطورون في الشأن العقاري حركة تحديث الأنظمة والتشريعات العقارية ووصفوها بأنها لا تسير بالشكل المطلوب، وان هناك تأجيلاً مستمراً للأنظمة المهمة التي ينتظرها العاملون في السوق. وتوقع هؤلاء المستثمرون أن الرهن العقاري سيكون بالنسبة للمطورين العقاريين ايجابياً، لأنهم لن يكونوا بحاجة إلى مساهمين يتعهدون للبنك بتغطية أي قرض عقاري بضمان رهن العقار للبنك، ولكن بالنسبة للأفراد فيتوقع من بعضهم تهوراً برهن عقاراتهم والدخول بها في مغامرات غير مدروسة يغلب عليها الطمع. وقالوا إن التوازن الطبيعي سيعود لسوق العقار بعد انسحاب المضاربين في حال صدور القانون، حيث سيصبح الطلب حقيقياً واستثمارياً وليس وهمياً، وهو ما سيدفع المطورين والعقاريين نحو العودة إلى السوق لتلبية حاجة السكان الذين يبحثون عن منازل عادية أو فاخرة، متوقعين ان يفتح نظام الرهن العقاري السوق المحلي على مصراعيه في ظل قنوات تمويلية واضحة ومضمونة من دون تكرار للأخطاء الاقتصادية التي مرت بها الأسواق العالمية، كما توقعوا أن تتجه البنوك السعودية لتأسيس شركات رهن مستقلة أو بالتعاون مع العقاريين في إطلاق هذه الشركات، لحرص جميع الأطراف التشريعية والعقارية في السعودية على عودة السوق إلى الانتعاش من جديد، وصعوده تدريجيا ووصوله إلى حالة من الاستقرار. وقال خبراء إن السيولة في السعودية متوفرة في مستويات عالية وتحتاج إلى قنوات تمويلية مناسبة وبعيدة عن المخاطر، والعقار هو القطاع القادر على استيعاب هذه الأموال وتحريكها من جديد. وأفاد عقاريون بأن قانون الرهن العقاري يأخذ في الاعتبار المماطلة في السداد، والتي بينت الدراسات السابقة أن الأسباب في التعثر والتأخير في السداد تعود إلى عدم وجود قاعدة واضحة ونقص الموارد البشرية والتدريب وجهات التنفيذ ولكن في القانون الجديد تم تحديد كل الإجراءات التي يمكن العمل بها، موضحين أن التأخر أو التعثر في السداد لن يتجاوز ثلاثة أشهر، مشيرين إلى انه يساهم في حل الكثير من العقبات التي تعترض نمو السوق العقارية، وذلك من خلال إيجاد التسهيل في عمليات التمويل والحد من ارتفاع أسعار العقارات، وتوافر المساكن بأنواعها بشكل كبير.