الملحن القدير عدنان خوج موسوعة فنية لا يمكن تجاهلها وخبرة فنية توجت مسيرتها بنيل درجة الدكتوراه عن رسالة قدمها في جامعة السوربون بباريس موضوعها الراحل طلال مداح ومكانته في تاريخ الأغنية العربية. الرياض التقت بملحن "المعازيم" وكان لها معه هذا الحوار الشيق: * دعنا نبدأ من الآخر ونسألك عن وضع الساحة الغنائية الآن.. ألا ترى بأنها مليئة بالأسماء دون نتاج فني حقيقي؟. بصراحة.. كثافة الفنانين في الوقت الراهن وهمية، لأن الفنان الحقيقي نادر الوجود، أما من تراهم فهم مدعّون لا أكثر. الكثافة الحالية هي نتيجة لهمجية الفن فبكل أسف أن كل من تعلم عزف العود أصبح فناناً ويسجل شريطاً حتى لو على حسابه ويريد أن يفرض نفسه على الناس بأمواله بينما في السابق كان الوضع مختلفاً حيث لا يمكن للفنان أن يظهر إلا من خلال القنوات الإعلامية المعترف بها وهي القنوات الحكومية التي كانت تجري اختبارات في الصوت واللحن ومن لا يجتازها لا يمكن الاعتراف به كفنان. كانت هناك ثوابت وكان هناك شعراء يجيزون الشعر وملحنين يجيزون اللحن. أما الآن فقد اختلط الحابل بالنابل وأصبحت الشركات مسيطرة على الإنتاج يقودها المنطق الرأسمالي الصرف الذي لا يلقي بالاً للفن الحقيقي مفضلة عليه الفنانين الذين "يبيعون" والذي يبيع حالياً للأسف هن فنانات العري! ورموز الفن التافه مثل الفنان شعبان عبد الرحيم الذي يلبس أشياء غريبة وهو بكل أسف محسوب على الفن. وفي ظل هذا الواقع المتردي فإنه من الطبيعي أن يتوارى الفنان الحقيقي في منزله لأنه لا يستطيع أن يجاري هذا السخف. * إذن أنت ترى أن الفنان الحقيقي تم تجاهله إعلامياً.. وفي مقدمتهم عدنان خوج؟ هو ليس تجاهلاً بل هو تعتيم إعلامي وهذا التعتيم ليس لعدنان فقط بل لكل فنان حقيقي وصادق فيما يقدمه، وأنا هنا أسأل: لماذا وسائل الإعلام الأوروبية هي فقط من تحدث عني؟. * تعتقد أن الفرنسيين مهتمون أكثر من العرب بدراستك لموسيقى طلال مداح رحمة الله؟ هذا صحيح لأنهم لم يتعاملوا مع الموسيقى على أساس عرقي بل على أساس عالمي فالفن والموسيقى تحديداً ليس لها وطن، وعندما وجدوا رسالة عربية متمثلة في رسالتي للدكتوراة اهتموا بها ودعموني خلال 7 سنوات من الجهد المتواصل حتى اقتنع 22 دكتوراً وبروفيسوراً ووافقوا على منحي الشهادة، وأقاموا لي حفل تكريم في فرنسا وللأسف لم أحصل على مثل هذا التكريم في بلدي، على الرغم أن الرسالة كانت تتحدث في جزء منها عن تاريخ المملكة العربية السعودية. محمد عبده * في لقاء سابق قال الملحن الكبير محمد شفيق أن أزمة الأغنية تكمن في تجار الشنطة وهو يقصد بعض الملحنين؟. أنا لن أقول تجار شنطة.. لو قلت ذلك سأسيء لزملاء المجال لكن أقول الله يهديهم وأن يخافوا الله في الفن لأن الفن رسالة وليس مادة فقط وحتى لو عملوا من أجل المادة فعلى الأقل أن يكون هناك ضميراً فيما يقدمونه. * سمعنا عن ألحان تظهر في ساعات.. هل هذا صحيح؟ وأنا سمعت عن ألحان تؤلف خلال رحلة الطيارة، فهناك من يسافر من الرياض إلى القاهرة ويلحن في "السكة" ويسجل أغنيته فور وصوله لمصر ثم يرجع لبلاده، وهذه الظاهرة الفريدة تحتاج إلى تقليد من قبل فناننا القدير عبد العزيز الهزاع. * من هم الملحنون الذين تحترمهم حالياً؟ كل الملحنين الناجحين فلا أستطيع مدحهم ولا ذمهم وأتمنى منهم ألا يستسهلوا الفن لأنه يحتاج إلى شوية تعب. * لحنت لمحمد عبده أغنية "المعازيم" وأغانى أخرى وأنت المعروف بقربك من طلال مداح.. هل كان فناننا الراحل يعاتبك على التعاون مع منافسه اللدود؟. لا لم يحدث شيئاً من ذلك.. لأنه يعرف أن من حق كل فنان أن يبحث عن اللحن الجميل، والفن الحقيقي ليس متحيزاً لصوت معين، ولا يؤمن بالاحتكار، ومحمد وطلال عينان في رأس وأنا تلميذ لهما. * هل لك أن تحدد لنا أهم عيب في الساحة الغنائية الآن؟ أن نرى التقدير يوجّه للصغير بينما كبار الملحنين يتم تجاهلهم. هذا أوضح طلال مداح العيوب. فقد أصبحنا في عصر أن الذين لا يفهمون الفن أصبحوا هم الأساتذة. * هل هناك أغنية أعجبتك من الأغاني الحديثة؟ بصراحة أعجتني كثيراً أغنية محمد عبده التي قدمها من كلمات ثريا قابل "حطني جوه بعيونك" وبصراحة الألبوم كله جميل خاصة أن أغانيه من كلمات الأمير بدر بن عبد المحسن وخالد الفيصل وثريا قابل وسعد الخريجي. ووجود هذه الأسماء الكبيرة يؤكد أن لدينا شعراء "حلوين" لكن للأسف بعضهم قل نشاطه لعدم وجود المبدع الحقيقي الذي يستطيع ترجمة كلماتهم إلى أنغام جميلة ومؤثرة. * ومن المطربين.. من يعجبك حالياً؟ عبد المجيد عبدالله وطلال سلامه وأيضاً الفنان علي عبدالكريم الذي توارى عن الأنظار وياريت يرجع فهو فنان حقيقي وفاهم للفن وتعطيه اللحن وأنت مغمض لأنه أمين على اللحن وهو تلميذ لمحمد عبده. * هل هناك تعاون فني قريب يجمعك بهم؟ نعم.. هناك تعاون مع طلال سلامة وقدمت له أربعة ألحان من كلمات ياسين سمكري وثريا قابل وسعد الخريجي والأمير بدر بن عبد المحسن. * ختاماً.. هل كرمتك الجهات المعنية بالثقافة مع أحد الدروع التكريمية في المملكة؟. بصراحة الجهة الوحيدة التي كرمتني هي الرئاسة العامة لرعاية الشباب ممثلة بصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد الذي استقبلني في مكتبه وأكرمني وقدرني وأشكره شكراً جزيلاً ومهما قلت عنه يعجز لساني عن التعبير فهو صاحب خلق عالٍ. يحمل شهادة السوربون التي نالها عن رسالة طلال مداح