كل يوم تطرأ مستجدات على أساليب العيش وأنماط التعبير عنه في الكثير من جوانب الحياة، ومع العديد من التغيرات التي حدثت مع ثورة المعلومات والاتصالات أصبح هناك تواصل كبير سهلته وسائل التقنية الحديثة بين الأجيال الجديدة وبصورة غير مسبوقة. وكان من آثار ذلك تطورات كثيرة انعكست على طريقة الدراسة، وأساليب استذكار الدروس لا سيما بين طلاب وطالبات الجامعات، فحين أصبحت المعلومات متوفرة عبر العديد من الوسائط الحديثة، شكل ذلك تحدياً جديداً وسببا لابتكار طرق حديثة لاستذكار الدروس والتعاطي المشترك مع تلك الوسائط المعلوماتية. ومن الظواهر الجديدة في طريقة استذكار الدروس ومراجعة المقررات الدراسية ظاهرة "الكوفي شوب" بين طالبات الجامعة وحتى المدارس، وهي ظاهرة انتشرت خلال السنوات الأربع الأخيرة، وشكلت نشاطاً ملحوظاً بين الفتيات خصوصا في أيام الامتحانات. وهناك الكثير من الأسباب التي حفزت الطالبات على استخدام الكوفي شوب كمكان لاستذكار الدروس، منها أن الكوفي شوب وسيلة حديثة، وفيه مساحة من الحرية وبنفس الوقت الخصوصية في الأماكن، بالإضافة إلى فرصة التواصل المباشر مع الصديقات، والتواصل غير المباشر عبر المسنجر الذي يوفره الكوفي شوب مع الانترنت المجانية. ولقد وفرت مقاهي الكوفي شوب العديد من وسائل الراحة للطالبات كالمشروبات الساخنة من الشاي والقهوة، والمشروبات الباردة، إلى جانب الوقت المتاح للمذاكرة والذي يصل إلى أربع ساعات متواصلة. وحين قامت "الرياض" بجولة على بعض هذه المقاهي لاحظنا مجموعات من الطالبات يقمن باستذكار الدروس بطرق مختلفة فمنها الجماعية ومنها الفردية. وفي مقهى يقع ضمن مركز تجاري كبير وسط الرياض التقينا بالعديد من الطالبات للحديث حول هذه الظاهرة، وطبيعة أجواء الكوفي شوب وقدرتها على توفير المناخ المناسب للقراءة والاستذكار. أداء أفضل في الاختبارات تقول مي فهد طالبة اللغة الفرنسية بجامعة الملك سعود كنت في المرحلة الثانوية أفضل الدراسة في أجواء المنزل؛ ولكن بعد دخولي الجامعة تغيرت توجهاتي خصوصاً أنني تعودت الدراسة مع صديقاتي، مشيرة إلى أن المقاهي تسمح لنا بالتركيز في الدراسة، كما وفرت لنا كثيراً من الراحة ووسائل الترفية التي نعود بعدها إلى مناقشة ما قمنا بدراسته، وهو أمر يساعدنا كثيرا على استحضار المعلومة، مؤكدة على أن الجلوس في المنزل يساعد على النوم والكسل نوعا ما، ولكن الحركة في المقهى لا تسمح بذلك لأننا لا نشعر بالملل، ولقد وجدت أدائي كان أفضل خلال أيام الاختبارات حين أدرس في المقهى عنها في المنزل. اشتراك شهري أما الطالبة سارة – علم نفس كلية التربية –، فتقول: "التقي بزميلاتي مرة في كل شهر لمناقشة مشروع التخرج، والكوفي شوب مكان مناسب لمثل هذه اللقاءات، حيث يحلو الحديث بين رشفات القهوة وتناول الوجبات السريعة"، وتضيف: "أخصص ميزانية خاصة لنفقات الكوفي شوب تصل إلى 500 ريال شهرياً"، فيما تضيف زميلتها الطالبة نسرين أن "المذاكرة في المقهى يمكن وصفها بضرب عصفورين بحجر واحد، فهي تغيير عن جو المنزل، وأسلوب جديد يسمح بالاستفادة من الوقت في المذاكرة"، وتقترح نسرين الاستفادة من خدمات الكوفي شوب بطريقة أكثر تنظيماً لتساعد الطالبات على توفير الخدمات السريعة لعملية المذاكرة، واستقاء المعلومات البحثية المطلوبة، عبر تخصيص اشتراك شهري من طرف الطالبات في هذا المجال.. وفي مقهى آخر كانت طالبات الآداب "عهد وهيام وفرح" يتناوبن على تسميع التعريفات لبعضهن حين فاجأتهن بسؤالي عن سبب ارتيادهن للمقهى الواقع في أحد المجمعات التجارية، وأجابت عهد "منذ ثلاث سنوات اعتدنا الجلوس في هذا المقهى، فالمقهى يسمح لنا بإمكانية المذاكرة لساعات طويلة، ونستفيد من عملية المذاكرة الجماعية التي يوفرها لنا المقهى، وهي ساعات قد لا نستطيع الاستفادة منها في المنزل، إلى جانب وجودنا بقرب السوق ووجود المطاعم في الجوار أمر يحقق لنا ما نحتاجه أثناء عملية المذاكرة من وجبات سريعة ومشروبات ساخنة أو باردة". دروس خصوصية ويبدو أن هذه الظاهرة لا تقتصر على طالبات الجامعة فقط، وهي بطبيعتها الاجتماعية ظاهرة مغرية، ففي المقهى المجاور كانت كل من الطالبتين مريم وأسماء –ثالث ثانوي– عاكفتين على متابعة درس خصوصي من إحدى المعلمات، حين قطعت عليهن التركيز بسؤالي فأجابت مريم، قائلة: "اتفقنا على أن نأخذ درساً خاصا في مادة الرياضيات ولأن أهلي يرفضون ذهابي لمنزل أسماء ونفس الحال بالنسبة لها قررنا أن نلتقي في هذا المقهى، وهو مكان عام يوفر لنا الخصوصية والراحة في نفس الوقت، كما أننا ننتظر وصول مدرسة اللغة الإنجليزية بعد قليل، وتقول زميلتها أسماء: "بنظري أنها طريقة مجدية ومريحة للأهل في تواجدي بالمقهى ووالدتي في نفس السوق وتطمئن علي بين فترة وأخرى". أما لولو محمد –علاج طبيعي- فتقول: "حين تبقى الطالبة لوحدها، قد يتوفر لها الهدوء والسكينة في الجو المنزلي، ولكن ذلك يخلو من التفاعل الخلاق الذي يوفره جو الكوفي شوب، ولا سيما حين تكون هناك مجموعات كبيرة، فهو إحساس يذكر بجو المنافسة ويشعر بالثقة ويخفف من الضغوط العصبية التي تقع على الطالبة في وقت الامتحانات". ومن جانب آخر لا تعتبر هوازن وغادة الطالبتين في كلية إدارة الأعمال المذاكرة في الكوفي شوب هي البديل عن المذاكرة في المنزل، فالأساس لديهما هو المذاكرة في المنزل، ولكن طبيعة السنة الأولى وكثافة الدروس في السنة التمهيدية قد تتطلب منهما المذاكرة ضمن مجموعة من الصديقات، وهذا ما يوفره لهن الكوفي شوب. رفض الأهالي وبالرغم من عموم هذه الظاهرة لدى الطالبات إلا أن هناك بعض الأسر ترفض مثل هذا الأسلوب، مثل عائلة الطالبة حنين الحماد – كلية الصيدلة – التي تعارض في البداية مثل هذا الأسلوب، ولكن حنين استطاعت أن تقنع أسرتها بجدوى المذاكرة الجماعية في الكوفي شوب، عندما لمست الأسرة ذلك في نجاحها. تقول حنين: "دراستي الجماعية مع زميلاتي في الكوفي شوب ساعدتني على إحراز نتائج أفضل من الدرجات التي أحرزتها خلال دراستي الفردية في المنزل، ومن خلال هذه النتائج سمحت لي والدتي بالمذاكرة في مكان عام ومع زميلات تعرفهن وتظل دائمة الاتصال بي للاطمئنان". نتيجة طبيعية وترى الأخصائية الاجتماعية خلود العايد هذه الظاهرة المستحدثة نتيجة طبيعية، وتقول: "طبيعي مع مرور الوقت وسيطرة أفكار العولمة طرأ العديد من التغييرات على أوضاع الجيل الجديد من الطلبة والطالبات وطال ذلك أسلوب مراجعة الدروس فقد بات تلقي المعلومة مرهونا بكل ما يبتكره الشباب من طرائق للمراجعة بشكل جماعي خلال أيام الامتحانات النهائية، وقد أسهم ذلك في تشكيل طبيعة الدراسة هذه الأيام، فأصبح ارتياد (الكوفي شوب) للدراسة من الظواهر الحديثة، حيث يعمد كثير من الطلبة الجامعيين أو من المراحل الدراسية الأخرى إلى التوجه للمقاهي، مستبدلين تقاليد الدراسة التقليدية التي كانت تتطلب وجودهم في المنزل طوال الوقت، حيث تكون دراستهم إما بشكل فردي وإما جماعي".