قد يكون عنوان هذه المقالة قد مر على القارئ الكريم في اكثر من مقال و نوقش في اكثر من مناسبة، فالمواقع المجلات المختصة لا تخلو من نقاشات للمستقبل المتوقع للاوعية الثقافية بشكل عام و للصحف بشكل خاص في ضوء التطور المستمر الذي يشهده العالم في كل لحظة. لكني في هذه المقالة سأحاول ان اخلع قبعة التقني واعتمر قبعة الاقتصادي من خلال تحليلي لمستقبل الصحافة خلال العقد المقبل خصوصاً بعدما قررت شركة (أبل) اقتسام الكعكة مع الشركات المسيطرة على تسويق الاوعية الثقافية على الشبكة العنكبوتية بطرحها لجهازها الجديد (Ipad). مما لا شك فيه ان الصحف الرسمية في العالم اجمع لا زالت تعتمد اقتصادياً على النسخ الورقية كمردود اقتصادي رئيس، و ذلك من خلال الاشتراكات و بيع التجزئة و الاعلانات. و قد كانت المواقع الالكترونية لهذه الصحف في بدايتها لا تعدو ان تكون سوى (برستيج)لهذه الصحف. الا ان اتجاه القراء الى هذه المواقع و استغنائهم (ولو جزئياً) عن النسخ الورقية قلل كثيراً من المردود المادي لهذه الصحف و ذلك لضعف المبيعات الذي اثر بدوره على الاعلانات في هذه الصحف لقلة نسبة التوزيع. لم تكن هذه المشكلة ملموسة في السنوات السابقة لان المواقع الالكترونية للصحف أوجدت مصدر دخل جديد يتمثل في الاعلانات الالكترونية على صدر موقع الصحيفة.الا ان هذا الدخل بدأ بالنضوب و ذلك يعود لعدة اسباب اهمها المنافسة الشديدة في مجال التسويق الالكتروني التي ادت الى تدني المدخول المادي، و السبب الاهم هو تطور فكر التصفح لدى المستخدمين. فمستخدم الانترنت ينتقل من مرحلة (الانبهار) في بداية تعرفه على الشبكة العنكبوتية و التي تتميز بالتصفح العشوائي(التى من خلالها يمكن ان يضغط على ما يجذب بصره من دعايات) الى مرحلة تكوين عادة منتظمة من خلال تصفح مواقع محددة يقسم وقت تصفحه بينها قد تصل الى ان تكون بنفس الترتيب دون ان يلقي بالاً الى الاعلانات الموجودة في الموقع. هذه الأسباب ستضع اصحاب القرار في الصحف امام خيارين، إما الاستمرار في تقديم الصحيفة بشكل مجاني إلكترونياً و الاستمرار في الخسائر او بيع النسخة الالكترونية على القراء. الخيار الثاني هو الخيار الأقرب في ظل الظروف الراهنة، لكن قد يكون تطبيقه مكلفاً على الصحف فهي بحاجة الى انشاء نظام فوترة وبيع وتنظيم دخول لمحتويات الصحيفة، كذلك هي بحاجة الى تطوير الموقع الالكتروني للصحيفة ليقدم للقاريء المحتوى بشكل سهل وجذاب وهي تكلفة لا تحتاجها الصحف في وضعها الحالي. بالعودة الى تدشين ابل لجهازها الجديد (iPad)، عرفت شركة ابل بأنها السباقة لكل ما يحدث نقلة نوعية في التقنية، فتقنياً هي أول من اصدر نظام تشغيل بواجهات رسومية، و اقتصادياً قدمت شركة ابل من خلال متجرها الالكتروني (itunes) منفذ بيع جديد لموزعي المواد الصوتية و المرئية فاقت مبيعاته مبيعات الاقراص المدمجة و ذلك لسهولة استخدامه و التعامل معه. قد يتطلع البعض ان جهاز ال(iPad) لا يتعدى ان يكون سوى Ipod متضخم، الا أن طرح شركة ابل لمتجرها الالكتروني الجديد Ibooks ماهو الا مرحلة اولى من خطة تنتهجها ابل للسيطرة على سوق الاوعية الثقافية الالكترونية كما سيطرت على سوق المواد الصوتية و المرئية. فلا يحتاج المراقب لان يطيل في التفكير ليستنتج ان البرنامج الخاص بصحيفة النيويوك تايمز الذي سيدشن مع الجهاز ما هو الا نموذج لبرنامج واجهة (لبائع الصحف) الخاص بشركة ابل. في المستقبل القريب سيتمكن القاريء من شراء نسخته من الصحف اليومية من على جهاز التابلت الخاص به من بائع الصحف الافتراضي. و ستوجب عليه اذا اراد التمتع بنسخة ورقية ان يتوجه الى اقرب متحف ليطلع على اخر نسخة ورقية لصحيفة تم طباعتها في اخر يوم من سنة 2020 (مجرد تخمين :) * عضو وكاتب معتمد في جمعية IEEE عضو هيئة تدريس في كلية علوم الحاسب و علوم المعلومات بجامعة الملك سعود