لفاروق أسلوب غريب وطريف.. يختصر به الأشياء الكبيرة التي تواجهه في الحياة. لعل أبلغها أن تراه يدخل عليك حانقاً مما مر به في ذلك اليوم.. فتسأله: «ها.. خير»..!! يتهالك على أقرب مقعد ويقول بهدوء من لا حيلة له فيما حدث ويحدث: «والله يا بويا.. الدنيا معايا هرجتها هرجة». «هرجتها هرجة».. وينفرط كل من يسمعه ضاحكاً بصوت مجلجل.. لا يغضب.. بل يزداد استرخاءة في مقعده.. وينتقد الضحك بنفس الطريقة.. فتسمعه يقول: «أنتو كمان قروشتكم قروشة». عندها تهب أمه محتجة بحنق: «أش كلام الشوارع هذا... من فين تجيبه».. ويرد بهدوء: «من الشارع اللي كنت فيه».. ويجد الفرصة مواتية لشن الهجوم: «قلت لكم أبغى أدرس سفروني.. تقولوا ما في فلوس استنى نسوي جمعية.. ولما تجي فلوس الجمعية تدفعوها للايجار.. صار لي سنة ونص على هذا الحال». ويمضي الحديث الجانبي في التصاعد.. و... يا واد أتحمد ربك حالك أحسن من غيرك.. وكمان أبوك علمك السواقة وعندك سيارة... عندها ينفرط في الضحك ويقول: «بس خلاص وصلنا.. الهرجة هرجة السيارة».. ويمد يده إلى جيبه ويخرج مجموعة من الأوراق الصفراء التي تحصل عليها كمخالفات سير.. وتبدأ حملة الانتقادات.. مخالفات ليش كم تمشي.. ولازم تكون قطعت إشارة.. لا تكون نسيت التصريح.. خلاص وصلت السن القانوني طلع رخصة. عندها يبدأ شرح السبب الذي جعله يقول ب«هرجة الدنيا معاه». - ما في عسكري يوقفني ألا يعطيني مخالفة.. أول شيء ينزلني من السيارة.. وطبعاً عيال الحارة اللي معايا أكثر من حمولة سيارتين.. يسيبهم كلهم ويمسكني ويبدأ بالتفتيش الذاتي.. وبعدين يفتش السيارة.. ويشكني بمخالفة.. وأتوكل على الله.. واللي بعده.. يا شيخ حرام عليكم دوبي ما خذ مخالفة.. وبعد التفتيش يبدأ التحقيق.. و.. ليش شايل معاك «إبر».. يا عمي أنا مريض.. وعندي «سكر» وهذي إبر (أنسولين) لازم أخذها بموعد.. وسين وجيم.. كيف تسوق وأنته مريض.. وليش مطلع معاك كل هذه الأمة.. ما تعرف أن عدد الركاب محدد.. وبعدين يدقق في التصريح والهوية.. ويعطيني مخالفة... وأتوكل على الله... صرت ماشي وعندي احساس أني إنسان «مشبوه». عندها تفطن أمه للحكاية فتقول: «والله يا فاروق مية مرة قلت لك غير شكلك.. وألبس زي الناس ما أنت راضي.. روح طالع في المراية.. والله شكلك زي واحد من الإرهابيين اللي كل يوم ينشروا صورهم في الجرايد.. نصهم في سنك ويشبهوك.. روح أحلق شعرك وحط على راسك غترة». وينفجر ضاحكاً.. ويقول: «أف ويشوفوني يحسبوني إرهابي متنكر.. خليني كدا.. أحسن». مثل هذا كان يحدث مع فاروق في بداية الحملة الرائدة التي قادتها وزارة الداخلية للقضاء على الإرهاب واجتثاث كل جذوره.. تلك الحملة التي وصلنا بفضل الجهود المكثفة لكل الرجال المخلصين الذين قادوها وأشرفوا على تنفيذها بحرفية أعادت للوطن والمواطن الشعور بالأمن والأمان. بعدها سافر فاروق للدراسة.. وهو ماض فيها منذ نحو عامين.. غير أنه عاد من اجازة امتدت لنحو شهر.. وكنت أرقبه وأراقب «هرجة الدنيا معاه» وعندما لم يذكرها فرحت.. وقلت لابد أن الدنيا قد غيرت طريقة كلامها معه.. وكنت أظن أنه نسى «هروج الدنيا» القديمة.. لكن قبل سفره لاستراليا بيوم أو يومين.. بدا كأنه تذكر من هروج الدنيا شيئاً.. فقد جاء ضاحكاً هذه المرة.. وقال: «والله يا بويا خايف الدنيا يكون عندها هروج ثانية معايا». قلت باستنكار: «ليش إنشا الله.. أش عندك»..!! قال: «أنته ما تشوف الأخبار.. مسكوا إرهابي جديد». «فنجلت» عيوني فيه باستنكار شديد وصرخت: «وأنته أش دخل أهلك في الموضوع.. هو تكروني وانته سعودي.. ولا يشبهك ولا تشبهه.. أش جاب الشامي للمغربي.. ولا تبغى تتفلسف وبس». قال موضحاً: «لا.. لا.. أنا خايف من اسمه بس.. اسمه عمر فاروق.. لا يروحوا الاستراليين يسووا من الاسم هرجة»..!! قلت بحنق: «أنته دحين يا ثور تدرس قانون وما تعرف فرق تشابه الأسماء.. بعدين الرجال عندهم.. يعني مسكوه والاستخبارات الأمريكية حايسة.. وأنته هرجتك مع الدنيا ما تبغاها تخلص.. يا ولدي فكر في المستقبل وخليك من الهرج اللي ما يودي ولا يجيب». فكر قليلاً ثم قال: «تعرف أش أحسن حاجة فيك.. أجيك مهموم وطفشان.. لكنك تهونها عليا.. والقاها تهون فعلاً». قلت مشفقاً عليه: «يا فاروق.. يا ريت أقدر أسوي معك.. ربع اللي سواه أبويا معايه.. أبويا شال عني حمل جبال.. وخلاني نايم في فراشي مرتاح.. بعد ما رميت كل هموم الدنيا عليه.. تراك هم من الهموم اللي شالها عني.. شوف كنت فين وصرت فين.. وبكره.. ولا بعده ترجع وأنته في أحسن حال.. وأبوك الغلبان ما عنده لك غير الدعاء.. روح الله يجعل لك في كل خطوة سلامة.. وعلى فكرة هذي الدعوة ما هي من عندي.. هذي دعوة أمي ليه.. وأبغاك تنتبه لدعوة العجايز.. خليهم يدعو لك لا تخليهم يدعوا عليك..!».