لا شك أن كثرة المُؤتمرات الدولية في موضوع مُعين يحمل دلالات مُتعددة. بين هذه الدلالات الاهتمام الدولي بالموضوع والقلق بشأن مُستقبله، وضرورة الشراكة المعرفية حول توجهات التخطيط له ومحاولات التأثير فيه. وبالنسبة إلينا يأتي التخطيط ومحاولة التأثير في إحداث المستقبل والسعي نحو توجيهها في الاتجاه الذي يبدو صحيحاً، مُنطلقاً من حكمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "اعقلها وتوكل". ويشهد "التعليم العالي" حالياً تزايداً في المُؤتمرات الدولية حوله، وعلى ذلك فإن هناك قلقاً بشأن دوره المستقبلي، وبالطبع لا يرتبط هذا القلق بمسألة وجوده أو عدم وجوده، بل بكونه المحرك الرئيس لمجتمع المعرفة، وبتأثيره في تطوير حياة الإنسان والمجتمعات كماً ونوعاً في المستقبل. فعلى سبيل المثال، شهدت نهاية العام الماضي، وعلى مدى أقل من شهر واحد، مُؤتمرين دوليين حول التعليم العالي، وبالذات حول "قضية تميز الجامعات والتصنيفات الدولية" في كُل من الصين وماليزيا. وعلى الرغم من أن المكانين آسيويان إلى أن النكهة الدولية كانت واضحة بسبب تعدد جنسيات الحضور وقدومهم من مُختلف أنحاء العالم. وسوف نطرح هنا بعض "قضايا التعليم العالي" التي تشغل اهتمام المُؤتمرات الدولية. وسوف نستند في هذا الطرح إلى الموضوعات التي يطرحها أحد مُؤتمرات التعليم العالي الدولية القادمة، فهذه الموضوعات تُمثل قضايا هامة يهتم بها العالم في توجهه نحو تطوير هذا التعليم في المستقبل. وما يهم العالم يهمنا أيضاً، خصوصاً في سعينا نحو المزيد من الاعتماد على المعرفة كثروة رئيسة للتنمية المُستدامة التي نتطلع إلى نشرها في بلادنا والعمل على تطويرها وتعزيز معطياتها والاستفادة منها. هناك مُؤتمر دولي قادم سيُعقد في أثينا بعد عدة أشهر يتسم بشمولية عرضه لقضايا التعليم العالي. فهو يطرح ستة محاور رئيسة لهذه القضايا. وتتضمن هذه المحاور التالي: محور حول "جودة التعليم"؛ وآخر حول "دور التقنية في تعزيز التعلم ويشمل ذلك التعلم إلكترونياً عبر الإنترنت"؛ ثُم محور "استراتيجيات تطوير التعليم"؛ ومحور "التعاون في التعليم"؛ ومحور "التعلم مدى الحياة"؛ إضافة إلى محور "دور التعليم في التنمية المُستدامة". لا شك أننا نحتاج إلى طرح كافة هذه المحاور في العمل على تطوير التعليم العالي في بلادنا. ولا يجب أن يكون هذا الطرح مُنطلقاً من الشعور بالقصور أو التقصير بالمقارنة مع بعض دول العالم، بل يجب أن يكون مُنطلقاً من ثقافة التطوير المُستمر والاستجابة للمتغيرات. فلو أن أي دولة وصلت إلى قمة الدول في تعليمها العالي، فلن تبقى على هذه القمة إن لم تحتفظ بثقافة التطوير المستمر، لأن المعطيات والمتغيرات لا تنتظر، والمُنافسة لا تتوقف.