جاء حديث الدكتور حمد الغماس رئيس مجلس إدارة قنوات " المجد" الفضائية ل "عكاظ" والذي نشر مطلع هذا الأسبوع تحت عنوان " المرأة ليست ضرورة في قنواتنا " مغايرا لموقف فضائيات النساء بلا تحفظ . وكشف في ثنايا الحديث عن أن هذا هو موقف القناة المهني والذي لا يحتم ظهور المرأة بالصورة وإنما تكون حاضرة بصوتها وفي برامج خاصة بها على حد قوله. وطالب الغماس أن لا تعيب عليهم القنوات التليفزيونية الأخرى عدم ظهور المرأة في قنواتهم كمعاملة بالمثل لأنهم في" المجد " لم يعاتبوهم على ظهورها . توقفت عند هذه النقطة التي احترنا فيها كمشاهدين بين متاجر بجسد المرأة في الإعلان وغيره من برامج التحلل أو التعري ، وبين متشدد لا يرى لوجود المرأة ضرورة في قنوات موجهة للمجتمع الذكوري الذي يرغب في المرأة أن تمارس دورها من دون ظهور مجتمعي . النقطة الخلافية هنا هل هي في ظهور المرأة أم في طريقة ظهورها ؟ كون المرأة ليست شبحا وإنما هي ظاهرة في المجتمع وفي مختلف مناحي الحياة وبطريقة ارتضاها هذا المجتمع وفق عقد قيمي اجتماعي .إذاً لماذا لا تظهر المرأة بذات الشكل المقبول في المجتمع في الإعلام ؟ وقبل الجواب على هذا السؤال هل بيئة الإنتاج في الإعلام المرئي مهيأة للتعامل مع المرأة وفق قواعد ظهورها الحالي في المجتمع ؟ أردت هنا أن يكون الطرح متوازنا ، فطالما أن المجتمع قد هيأ للمرأة ما يحافظ على كينونتها وبالشكل المقبول مجتمعيا في المستشفى وفي المدرسة وفي الشارع وفي السوق وفي المطار وفي القطار وفي البر وفي البحر ،إذاً لماذا هذا الإقصاء البصري التعسفي والسماح لها بالظهور صوتيا فقط في بعض اقنية الإعلام ؟ فإذا كانت قنوات المجد لديهم الصورة المثلى التي يجب أن تظهر بها المرأة في المجتمع فمن باب أولى أن تظهر في هذه القنوات حتى تصبح مثالا يحتذى . كما أنني لست في معرض نقد حديث الدكتور الغماس وإنما في محاولة مناقشة طرح مجتمعي يرفض ولا يقدم البديل ويترك الحبل على الغارب للبديل القادم من رحم النقيض . كما أن جواب الدكتور الغماس يشير إلى بعد اقتصادي مهم يتمثل في أنهم في المجد بدأوا في تأسيس أوقاف خاصة بهم وأن القنوات ستطرح للاكتتاب العام قريبا . وربما من هذا الشق الاقتصادي يعرف الجواب وهو مكمن الخطر في التوجهات الإعلامية ؛ فمنذ ان قامت صناعة الإعلام وفق قواعد لعبة تقسيم السوق اقتصاديا فأصبح كل من يدخل هذا الميدان يلعب وفق قواعده ويبحث عن أرباحه المبنية على تلبية جوانب المنع والرغبة فالمتاجر بالمرأة جسديا يرى ان الربح يتحقق من تلبية احتياج جمهور متعطش من فئة المحرمين من البدائل فتصبح سوقهم الإعلامية قائمة على أسلوب الطرح البسيط " لكل ساقط لاقط " ، وفي جانب آخر نجد ان هناك من يفوز اقتصاديا بمنع المرأة لأنه يلبي من يملك القول الفصل فقهيا واقتصاديا . أما غالبية شرائح الجمهور فأصبحت في حيرة أمام موضوعات الاختلاف المتنامية ومنها ظهور المرأة . لذا تشبع الفضاء بالقنوات بقنوات المنع والفسح والتي تلبي احتياجات "سوق الساقط واللاقط"، ومنها قنوات مع الأسف الشديد تضع امرأة ترقص على أنغام موسيقى هابطة وتبيع مسابقات تافهة بظهور مقزز وثقافة رديئة تعكس ذوق من اختارهن . وقنوات أخرى تظهر فيها المرأة بشكل يعكس تميزها كنموذج نفخر بتقديمه إلى العالم بما تمثله من قيم وفكر ومكانة . أنا وغيري من الأغلبية المحتارة نبحث عن" الوسطية " التي نتحدث عنها دينيا وثقافيا ولا نعرف من أضاعها ؟ وكيف نستعيدها قبل أن نفقد ما تبقى منها في هذا المستنقع البصري الهابط من الفضاء بأكثر من 600 قناة عربية فقط ، ناهيك عن قنوات "فكي شفره" التي تباع بعيدا عن عين الرقيب . عدت مرة أخرى لأتوقف عند المرأة الصوتية فضائيا والتي يتحدث عنها الدكتور الغماس فوجدت انها تتماشى مع أساليب حديث المرأة المصطنعة . فنجد أن هناك من بدأت تغير صوتها بتفخيم مصطنع في العبارات ومد الحروف لتصبح طول متر والنفخ في الحروف حتى تطلع من مكان قصي في الجوف مع تفخيم الأنا التي أصبحت إحنا . طبعا هذه الظاهرة الصوتية الجديدة أصبحت لزوم تكملة المظهر النسائي المتكلف مع حقائب الماركات المستبدلة يوميا مع نظارات "الذبابة" المنتفخة في عيونهن كما تسميها بعضهن . السؤال متى سنبدأ في مشاهدة أولئك النسوة بتلك النظارات وبنغمة "الحكي " المتصنع قريبا على قنوات تسويق محلية من إياهن أم أنها ستكون فقط مفتاح الظهور التدريجي في القنوات الصوتية ؟ لست ادري أنا في حيرة مثل الكثير من الأغلبية المحتارة . فقد أمطرت علينا سماء الفضائيات و ةلم نعد نعرف كيف "نروس" الماء كما فعل أجدادنا .الواضح أننا سننتظر البعد الآخر للجواب من عند فقيهات الفضائيات مثل برامج فقه المرأة او فقه الحياة الناعمة . لعل هذه البرامج أن تأتي فعلى الأقل تتم فيها تربية النشء او تعليم من يربي النشء على التعامل مع الفضائيات وكيفية الانتقاء والمشاهدة بدلا من جدل الظهور المحكوم باقتصاديات السوق.الحاجة ملحة لتربية إعلامية فبها يتجاوز الطفل كل أنواع الوحل الفضائي.