حتى قبل تعرض التلميذات للاعتداء بالحمض من قبل مجموعة من الرجال ، كانت مدرسة " ميروايس مينا " للبنات محاطة من كل جانب بالأعداء. فهذه المدرسة تقف على مشارف قندهار وتبعد 20 ميلاً عن مسقط رأس الملا محمد عمر مؤسس حركة طالبان. أسفل الطريق من المدرسة وفي منطقة تعرف باسم المدينة القديمة بني السكان مزاراً للملا داد الله أشرس قائد طالبان الذي صنع لنفسه اسماً من المذبحة التي نفذها ضد أفراد أقلية الهزارة وقتل في العملية التي قادتها الولاياتالمتحدة في عام 2007. وغير بعيد من المدرسة يقع سجن ساربوسا الذي تعرض لهجوم من مقاتلي طالبان في يونيو 2008 ممن تمكنوا من تحرير أكثر من ألف من رفاقهم والمجرمين. المنطقة المحيطة بمدرسة ميروايس مينا تعتبر معقل طالبان. وتعليم البنات القراءة والكتابة لم يكن شيئاً تخطئه عين طالبان. وقد اتخذت حركة طالبان من تدمير المدارس، خاصة مدارس البنات، سمة مميزة لحربها. ظهر المهاجمون صباح 12 نوفمبر من العام الماضي ، عندما كانت الفتيات في طريقهن إلى المدرسة. جاؤوا على ظهر ثلاث دراجات نارية. وكانوا يرتدون أقنعة واقية. كل رجل منهم كان يحمل حاوية صغيرة مملوءة بحامض البطاريات(ماء نار). دار الرجال حول المدرسة لعدة دقائق بينما كانت الفتيات يقبلن على المدرسة. كانت شمسية الحسيني وشقيقتها عطيفة تسيران على طول الطريق السريع عندما أبصرت شمسية الرجال على الدراجات النارية. كانت شمسية-17 عاماً- ترتدي وشاحاً أسوداً غطى معظم وجهها. وكانت تظن أن الرجال عابرو سبيل لكن واحدة من الدراجات توقفت بجانبها وقفز من على ظهرها أحد الرجال وسأل شمسية ما بدا وكأنه سؤال غريب. "هل أنت ذاهبة إلى المدرسة ؟". مد الرجل الملثم يده ليسحب غطاء رأس شمسية وبيده الأخرى ضغط على زناد بندقية الرش التي كان يحملها على ظهره. شعرت شمسية وكأن وجهها قد شبت فيه النيران. ومع صراخها وصل الرجل الملثم الثاني إلى عطيفة التي حاولت الهرب. ولم يتوان الرجل عن تمزيق حجابها ورش الحامض على ظهرها. ثم انطلق الرجال باتجاه مجموعة أخرى من الفتيات. تكومت شمسية في الشارع وهي تصرخ من الألم. وبعد شهر من هذه الحادثة، ظهر الرئيس الأفغاني حميد كرزاي على شاشة التلفاز ليعلن عن اعتقال اثنين من المشتبه بهم في قضية إلقاء الحامض. وأثارت القضية ضجة غير عادية حيث تفاعل الناس معها في كل أنحاء العالم وشجبت لورا بوش سيدة أمريكا الأولى في ذاك الوقت هذه الجريمة. وظهر رجل أفغاني في منتصف العمر على شاشة التلفاز غير حليق ويبحلق بعصبية "اسمي عبد الجليل ".. تكلم عبد الجليل في البداية بتردد ولكن قصته كانت صاعقة. قال عبد الجليل أن ضابطاً في المخابرات يعمل لحساب جهة اجنبية دفعت له وسبعة رجال آخرين لإلقاء مادة حمضية على الفتيات. قدم عبد الجليل الأسماء والتفاصيل والأماكن. وومضت الشاشة مرة أخرى ليظهر رجل أفغاني يبدو أصغر سناً من الأول. كان اسمه نياز ، وهو من سكان ميروايس مينا. كنيته "بنقو" التي تعني في عامية لغة الباشتو "الحشيش". وسرد نياز أو " بنقو" -18 عاماً- تفاصيل لقائه بعبد الجليل ورجلين آخرين حيث قام عبد الجليل بتسليم كل واحد منهم مبلغ 1200 دولار لتنفيذ العملية ضد تلميذات مدرسة ميروايس مينا. وأضاءت الشاشة مرة أخرى لتظهر هذه المرة فتاة أفغانية وهي تتلوى على سرير مستشفى وقد غطت الضمادات جسدها. تغير المشهد لتعود نفس الفتاة إلى الظهور ولكن هذه المرة تجلس على طاولة. كانت ترتدي غطاء رأس ابيض ولكن برغم ذلك كانت الندوب على وجهها لا تزال مرئية حول حواف عينيها وتنتشر على خديها. الشرح أسفل الشاشة يذكر أن اسمها شمسية الحسيني. قالت شمسية التي كانت تتحدث بهدوء وبطء" نريد أن نراهم وهم يعدمون أمامنا وبنفس الطريقة التي رشوا بها الحامض علينا. نحن نريد رشهم بالحامض كما فعلوا بنا". بعد ثماني سنوات من قدوم الأمريكيين إلى أفغانستان ، من الصعب العثور على أسباب تدعو للتفاؤل بشأن المستقبل. فى نوفمبر عام 2001 ، عندما فرت عناصر طالبان من كابول كان وضع البلد في حالة خراب. اليوم ، لا يزال الوضع كما هو وحالة الخراب ما تزال قائمة. خارج كابول لا توجد أي حكومة. هناك حكام وهناك بعض سلطات الشرطة ولا شيء سوى النذر القليل من كل شيء.الطرق في معظمها مقطوعة وغير ممهدة. أمراء الحرب يسيطرون على أجزاء كبيرة من البلاد. النوايا الحسنة التي تدفقت بحرية قبل ثماني سنوات تبخرت معظمها وحل محلها الفشل في إعادة بناء البلد وفي سحق حركة طالبان . وكان من السهل أن يستسلم السكان لليأس. التغيير الوحيد الإيجابي الذي لا لبس فيه هو المشاريع التي تقودها الولاياتالمتحدة لتعليم الفتيات. في عام 2001 لم يسجل سوى مليون طفل في المدارس الأفغانية جميعهم من الذكور. تعليم البنات كان محظوراً واليوم يذهب حوالي 7 ملايين طفل أفغاني للمدارس منهم 2,6 مليون أي ما يقارب الثلث من الفتيات. *(نيويورك تايمز)