في منظومة الشبكة العنكبوتية بحر متلاطم من المواقع الإلكترونية متعددة المذاهب والمشارب، بين الغث والسمين وما دون ذلك، ومنها ما يتصف بالوجة المتخصصة في العديد من جوانب الحياة، وفي هذا السياق هناك منها ما يتناول الخطاب الإسلامي في كافة صوره وأشكاله. ونظراً لأهمية هذا الجانب الذي يشهد ممارسة واسعة من خلال العديد من الاجتهادات المنظمة والفردية في مضمون الفكر الإسلامي عبر العديد من تلك المواقع التي تحمل في رسالتها الفكر الإسلامي الصحيح رغم ما يعتريها أحياناً من اختراق، وفي المقابل هناك مواقع أخرى تتخذ من الإسلام شعاراً ومن الإرهاب منهجاً وتقدم أطروحات وفتاوى تحريضية نحو فكر إرهابي مدمر. ونظراً لأن واقعنا المعاصر يشهد صراعاً فكرياً تم تسخيره وتسييسه وفق عدد من المصالح والأفكار التي تُطرح عبر هذه المواقع الإلكترونية، فإن ما يعزز جوانب الحذر والشك لدينا تجاه تلك المواقع الإلكترونية هو انعدام الرقابة الذاتية عليها بشكل كامل، وفي نفس الوقت ميل بعضها إلى محاولة توجيه روادها إلى الأخذ ببعض الأفكار المنحرفة، مما يتطلب دراسة واقع تلك المواقع الإلكترونية التي تمارس الخطاب الإسلامي بشكل خاص، وكذلك معرفة التوجه الفكري لتلك المواقع الإلكترونية "المؤسلمة" وأهدافها المستترة. ممارسة التأثير وإذا كانت الدول قديمها وحاضرها تعتمد في أولويات بناء هيكلها القيادي على "الإعلام والردع" كجانبين رئيسين يمثلان المزيج التعبوي لقيادة وتوطين المفاهيم الداخلية والخارجية، فإن أهم أحد قطبي هذا المزيج هو الإعلام بمفهومه الشامل "الهدف و المستهدف"، أما الوسيلة لهذا الإعلام والتي ظلت على مر الزمان تشهد تطوراً متواصلاً بين نتاج الفكر ومعتركه وانتهاءً بتنوع الآلة، فإن واقع الحال اليوم وما نشهده عبر هذا الكم الهائل من مواقع الشبكة العنكبوتية وسهولة التمكن منها يؤكد على أن أحد أهم وسائل الإعلام وآخر تقنياته (التواصل الإلكتروني) أصبح في متناول العامة بشكل يغري أصحاب الأهداف السيئة والمغرضة على ممارسة التأثير على الأفراد والجماعات عبر العديد من المفاهيم، والتي قد تستتر تارة بعباءة الدين وتارة بمعطف الطبيب وتارة بعمامة الواعظ، والتي تمثل اشتقاقاً للمهمة الإعلامية الرسمية مما يدعو إلى إعادة النظر في تسخير مكتسبات هذه التقنية إلى الصالح العام بعيداً عن محاولات التشويش الفكري والعقدي. الإنسان وعاء وأمام هذه الهجمة الإلكترونية، وفي ظل قناعتنا بأن الإنسان بطبعه وطبيعته يعتبر وعاءً نموذجياً لكل ما يتلقاه من صنوف الكتل المادية لبناء قوامه، بدءاً من الماء الذي به يحي وكذلك الغذاء الذي به تستقيم حاله، فإن هذا الوعاء (الإنسان) لم يكن حكراً على تلك الجوانب المادية الصرفة فقط (الماء والغذاء)، بل كان وعاءً متأثراً بما يتلقاه من الشحنات والمؤثرات العقلية، ومثلها حزم المؤثرات الفكرية والنفسية، ولذلك أصبح من الطبيعي أن يتأثر هذا الوعاء بما يصب فيه عبر كل ملكاته وحواسه ومعززات مشاعره عبر العديد من وسائل التلقين والإيحاء، لتكون الغلبة في كل الأحوال لتلك اللغة التي يتم ضغطها وتكريسها في هذا الوعاء عبر العديد من الوسائل، والتي تأتي في مقدمتها المواقع الإلكترونية، وبالتالي فإن جوهر مسئولية التحصين للأفراد والجماعات ينطلق من خلال كشف وفرز وتصنيف وحظر هذه المواقع التي تتحدث أحياناً بخطاب إسلامي غامض يفتقد المرجعية، وفي المقابل دعم وتعزيز وتقوية مرجعية تلك المواقع الإسلامية النقيّة التي تقودها كفاءات وقدرات تتمتع بسلامة الفكر والمنهج كما تتمتع بالمصداقية مع نفسها وفي مضمون خطابها. ما نخشاه وإذا كانت الممارسة الالكترونية في واقعها الحالي وعبر هذه الوسائل المتنوعة والمتجددة قد مكّنت من تجاوز ثقافة الاستشراف والإطلاع إلى الوقوع في زوايا محاولة التأثير (السلبي أو ايجابي) كلاً حسب مشروعه الإيديولوجي، فإن هذا الوضع أصبح يمثل خطراً من أن يتطور التفاعل مع تلك المضامين من غريزة الإطلاع والاستشراف إلى التطبيق على أرض الواقع والنزول إلى الشارع بتلك الأفكار أو الأجساد عبر تحريض فكر المتلقي للانقياد لتلك المؤثرات الفكرية. مواجهة الفكر بالفكر وانجذاباً مع حقيقة علمية تقول إن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، فقد كان حرياً بالمواقع الإسلامية التي يقف عليها أشخاص من ذوي المعتقد السليم والفكر الناضج والوطنية الصادقة أن تكون هي البديل عن تلك المواقع التي تحمل رسالة غامضة وأفكاراً مشبوهة، وأن تقدم البنية الفكرية السليمة لكافة المتلقين، وأن تكون في الوقت نفسه المرجعية الأولى لمن يبحث عن الصراط المستقيم، وأن تعتمد في مرات كثيرة استضافة من يحملون هموم الدعوة إلى الله من العلماء والمفكرين القدوة الذين يتعزز من خلالهم الخطاب الإسلامي السليم الموافق للفطرة من علمائنا ودعاتنا ورواد الفكر، وفي الوقت نفسه على علماءنا أن يتفاعلوا وأن يتواصلوا مع تلك المواقع الإلكترونية بقدر تواصلهم مع وسائل الإعلام الأخرى لمزيد من بناء المكانة لهذه المواقع الإلكترونية، وأن تكون وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد حاضرة في هذه المنظومة، خاصة إذا اعتبرنا أن المواقع الإلكترونية أصبحت إحدى أهم وسائل الإعلام التي بدأت تسيطر على شريحة كبيرة من الجمهور، وبالذات الشريحة المستهدفة وهم الشباب، ليتم من خلال هذا المجهود مواجهة هذا المد الكبير من حزم التشويش الفكري والعقدي بالكثير من الوضوح وتعزيز الانتماء لهذه العقيدة ولهذا الوطن العزيز. رقابة المنزل المنزل يمثل البؤرة الأولى التي يستهدفها هذا المد الإلكتروني باعتباره نقطة التجمع الأسري، وحيزاً كبيراً من الوقت يخصص للإبحار في فضاء الشبكة العنكبوتية، ومن خلال تعدد نقاط المرور على تلك المواقع لابد أن يقف المرء في لحظة عند بعض اهتماماته ولأننا مجتمع مسلم فإن فك غموض بعض قضايانا الاجتماعية في جانبها الشرعي يدفع البعض عبر هذه التقنية إلى تلك المواقع الإسلامية للوصول إلى الرأي الشرعي لمعرفة وجهة النظر عبر تلك الفتاوى المعلبة التي سبق لتلك المواقع الإلكترونية المرور عليها؛ لكن تلك الأنامل المبحرة في غياهب تلك المواقع المشبوهة تنجذب إلى غريزة رغبة الاستشراف الذي يقودها إلى الوقوع في كذب وتدليس تلك المواقع، وهنا لا بد من قيام الآباء والأمهات بواجب تكريس الرقابة على الأبناء وتحذيرهم من مخاطر وأهداف زارعي الفتنة والمحرضين على انتهاج الفكر التكفيري وصانعي القنابل البشرية المتحركة الذين يكنّون العداء لبلادنا ومجتمعنا وللإنسانية، والذين يحاولون زعزعة أمن واستقرار هذه البلاد وإعاقة كافة مشاريعنا التنموية. جريمة إلكترونية وبقدر ما تتسع خارطة الجرائم الإلكترونية وتتنوع أهدافها وغاياتها، فإن استخدام هذه التقنية الإلكترونية في بناء العناصر الإجرامية والإرهابية والتحريضية يعتبر أشد وطأة على المجتمعات والأمم من تلك الجرائم الإلكترونية المرتبطة بالجوانب المالية أو الثقافية وغيرها مما لا يمس الأمن، وبالتالي فإنه لابد من وجود اتفاقيات ثنائية بين الحكومات والدول تقبل رفع قضايا قانونية لمحاسبة مرتكبي مثل هذه النشاطات التحريضية والإرهابية التي تتم في أحد البلدين وتجريم مرتكبيها ومعاقبتهم، كما يجب أن يتم تصنيف تلك المواقع التي تحض على العنف والإرهاب لتكون ضمن قائمة الجهات الداعمة والراعية والمحرضة على الإرهاب، وبالتالي محاسبتها قانونياً وفق مشروع يحاسب كل من يثبت تورطه بمثل هذا العمل التحريضي الإجرامي، وأن تكون تلك المواقع الإلكترونية إن كانت إسلامية أوغير إسلامية مسئولة مسئولية كاملة عن كل ما ينشر من خلالها، وأن لا تكون العبارة الدارجة في جميع المواقع الإلكترونية التي تقول (بأن هذا الرأي يعبر عن وجهة نظر كاتبه)، أو تلك العبارة التي تقول (تقع مسئولية هذا الموضوع على كاتبه فقط) فرصة للبراءة من تلك المسئولية، بل يجب أن يتحمل كل موقع إلكتروني مهما كانت وجهته مسئوليته تجاه ما يتم نشره عبر صفحاته، وهو ما يدعونا إلى تجديد المطالبة بوضع قانون لا يستثني أصحاب هذه المواقع من المسؤولية أمام الجهات الرسمية المختصة.