قال الشاعر بدر الحويفي بنبرة أسى على ندرة الطريدة الأولى لهاوي الصيد بالصقور(الحبارى): ما اظن باقي للحباري شرايد من يوم كل الناس صاروا صقاقير ثمة مفارقة عجيبة, فكل طرائد الصيد في تناقص مستمر بل أن بعض أنواعها شبه منقرض في المملكة بينما المهووسون ب(ولع المقناص)؛ وبخاصة الصقارين, في تنامٍ مطرد. ناس تجوّل من جميع البدايد أهل ولع كل على المرتبة طير أصبحت برارينا على اتساع مساحاتها مكانا صغيرا يضيق بهؤلاء, ولم يعد الميدان القريب مغريا فقد أتى جيل يترصد الطرائد ابتداء من لحظة عبورها بوابات الهجرة قرب السواحل, فإذا حطت الطيور بأعدادها المحدودة متعبة مجهدة على الأطراف كان ذلك إيذانا بانقلاب المناطق الساحلية وما يليها إلى حلبات سباق عنوانها مطاردة من أجل الإفناء, وما أن تسري حمى تناقل الأخبار وصور المقناص عبر رسائل الهواتف الجوالة والمواقع الالكترونية إلا وتجد السواد الأعظم من المهووسين قد ركب الموجة وانضم إلى حلبة المتسابقين. واليا لقينا اللي هالايام صايد رحنا على دربه عسوس ومداوير وقلنا ياليتك معلن بالجرايد ياللي ذبحت الخرب واف الاشابير ولأن الميدان المحلي يئن من وطأة الإسراف والتناقص والانقراض ف(العسوس) التي لا تجد الطرائد يكفيها بضعة آلاف من الريالات لتنصرف باتجاه ميادين (الخارج) ولذلك صارت غابات أفريقيا وصحاريها ميادين بديلة لبعضهم. ولأن الصيد طغى عليه التفاخر فكل مرتحل إلى براري أفريقيا يباهي ببث الرسائل والصور من الميدان الجديد فأصبحت الهواتف النقالة والمواقع الالكترونية وبعض القنوات الفضائية الشعبية وسائل تذكي (الولع بالمقناص الأفريقي) فعلك على اللي ما لقى الصيد زايد واصل مسيرك ياعشير المناعير كان انت لا دورت تلقى طرايد شد الرحال ومتر البر تمتير ميادين الصيد هناك مليئة بالمغريات للصياد من حيث وفرة الغزلان والطيور بأنواعها لكن بعض مناطق الصيد في الدول الأفريقية تفتقد لسيطرة الحكومات المركزية على الحالة الأمنية, ففي مشهد متكرر يحدث الاصطدام بحواجز على الطرق يقيمها رجال قبائل يطالبون المارين بدفع الإتاوات (شاهر ظاهر)! إذا كانت هذه حالة الطرق فكيف سيكون الوضع حين التوغل بميادين الصيد, من المؤكد أنها لن تخلو من اللصوص والمجرمين, والشاهد استقبالنا لنعوش مواطنين راحوا ضحايا غدر جماعات تعيش تحت وطأة فقر في بيئات بدائية وثنية قد لا تقيم وزنا للاعتبارات الأخلاقية. أقول إن الانغماس ب(ولع الصيد) يغيّب الاعتبار الأمني لاسيما وأن هناك إشكالية(نفسية) ذلك أن بدايات ممارسة هواية الصيد لدى شبابنا تكون في المملكة وقد تعودوا على التجوال في براريها من أدناها إلى أقصاها يرفلون بحالة من الأمن والطمأنينة, ففي ظلمة الليل يندس الواحد منهم في فراشه نائما آمنا وسط كثبان الدهناء أو فياض الصمان أو الحماد بعيدا عن المناطق المأهولة بالسكان ولا يمسه سوء بإذن الله. من السهل أن يقع هؤلاء والحالة كهذه ضحايا مغريات وكلاء تنظيم رحلات الصيد الأفريقي. روى لي شاب في العشرينات من عمره عاد للتو من دولة تنزانيا بعض تفاصيل رحلة صيد قضاها مع أقران من فئته, لفت انتباهي أنه متعجب من جوع أهل القرى التي يمرون عليها ومستغرب من جهلهم (وقلة الدبرة)! فكيف - على حد فهمه- لا يسدون جوعهم من لحوم الغزلان والطيور التي ترتع في أطراف قراهم. لا يعرف هذا الشاب المترف أن امتلاك طلقة البندقية بالنسبة لهؤلاء السكان دونه خرط البرسوبس الأفريقي, أما حصولهم على البنادق فدونه قتل غرير مثله والاستيلاء على كل ممتلكاته وربما بالتعاون مع الأدلاء الذين استأجرهم. لم يعد الذهاب إلى الصيد في أفريقيا حكرا على فئة محدودة من أبناء الذوات, والخطر الذي يتهدد السعوديين هناك لم يصل إلى حد الظاهرة, لكنه مرشح لذلك, ولكي تتأكد اكتب في محركات البحث على الإنترنت عبارة الصيد في أفريقيا أو صيد السعوديين في أفريقيا, وستجد سيلا من الصور والتفاصيل المغرية لشباب المقناص تبثها مواقع ومنتديات محلية تخصصت في وصف هذه الرحلات فضلا عن أنها وسيط بشكل مباشر أو غير مباشر بين وكلاء تنظيم الرحلات وبين الصيادين دون تبصير بالوضع الحقيقي للميدان وما فيه من مشاكل أمنية وقبلية وطائفية. يبدو لي أنه يصعب على الجهات المعنية في وزارتي الداخلية والخارجية إيجاد آلية للسيطرة على الشباب الذين يذهبون إلى هناك لدواعي الصيد خصوصا أنهم ينطلقون من الدول الخليجية حيث يوجد وكلاء تنظيم الرحلات. من السهل أن نقول (كل يقلّع شوكه بنفسه وكل شاة معلقة من عرقوبها) مادام هؤلاء يملكون الأهلية فلن يتحمل المسؤولية المباشرة سواهم, فهم الذين يورطون أنفسهم ويذهبون طواعية بدافع (ولع) غير آبهين بالأخطار التي سيواجهونها والمهالك التي ستنتظرهم, لكن المسؤولية الاجتماعية تحتم تعاوننا جميعا على التبصير والتوعية والتحذير. كلما تناولت مشكلة تتعلق بالصيد- تلك الهواية التي لا نستطيع نزعها من ثقافتنا وموروثنا الشعبي- تبرز أندية الرماية والصيد, ففي تقديري أنها أحد الحلول أمام أكثر من جهة تستطيع تحويلها إلى ميدان للتوجيه ومسرح للتوعية والتأثير بالترفيه. بقي لي الاعتذار للشاعر الكبير بدر الحويفي, فإدخال أبياته في سياق المقال بهدف توضيح الفكرة فقط. [email protected]