تعيش أم وبناتها بمحافظة القنفذة قصة مؤلمة ينادمن فيها الفقر والضياع وهن يبحثن عمن يطعمهن ولو بقطعة خبز أو شق تمرة!. هذه المعاناة أجبرت الأم أن تشمر عن ساعديها المتهالكين من آلام الضغط والسكر وتقدم السن، لتمارس أعمالاً لا تليق بها؛ من أجل إطعام بناتها الخمس، وكذلك طفلتي ابنها اللتين مزقهما اليتم والعوز بعد فقدهما لوالدهما الذي نال منه مرض السرطان، وبعد أن فقدت هاتان الطفلتان شقيقيهما اللذين لقيا حتفهما في حادث مروري على طريق الرياض أثناء عودتهما بعد أن تلقيا خبر وفاة والدهما. وقد ترك رحيل الوالد "زوج الأم" "سعودي الأصل والمنشأ" والأبناء من بعده، هؤلاء الأطفال وأمهم مشردون في منزل متهالك وحُرمن من التعليم والرعاية الطبية والغذاء، وغياب أدنى وسائل الترفيه التي تنعم بها أقرانهن، بل حرمن من الهوية الوطنية وحقوقهن من الضمان الاجتماعي وعوقبن بالإهانة والجحود!. شهد "الجرسون" لن تتمالك دموعك عندما ترى ابنة ابنها الطفلة "شهد" ذات الخمسة أعوام وهي تحمل الأثقال وتقدم "الشيشة" في المقهى من أجل لقمة تسد بها جوعها، أما شقيقتها ذات السبعة أعوام فعملها إعداد الشيشة وتنظيفها وتقديمها للزبائن!، وبقية الأخوات تعملن بعيداً عن أنظار الناس في الداخل ويرفضن الخروج وأعمالهن تنحصر في الغسيل وإعداد الشاي لبيعه لعملاء القهوة. قهوة حمدة أم محمد التي اشتهر موقعها ب" قهوة حمدة"، قالت شاكية وعيناها ترقرقان بالدموع وتتحدث بصوتها الشاحب متوجعة باكية: إنه بعد وفاة زوجي، وأبنائي الكبار، طردت من هذا المنزل أنا وبناتي اللاتي ما زلن في سن الطفولة، بحجة إدعاء احد الجيران أن هذا المنزل من أملاكه، وزعم أنه قام بإعطائه زوجي مؤقتاً لنسكن فيه، وهو ادعاء باطل من أجل حيازة هذا المكان ظلماً وعدواناً، فاضطررت إلى المقاومة وذهبت إلى القاضي، وشكوت أمري له حتى عاد منزلنا إلينا ولله الحمد، ولكن ما حصل لنا خلال المدة التي طردنا منها من المنزل جعلني أكثر خوفاً، فبعد أن طردنا لم نجد سوى العراء أنا وأطفالي لمدة شهرين؛ اضطررنا إلى بناء أعشاش حول الأشجار رغم شدة الحرارة في هذه الرمضاء الحارقة، وقد تعرضنا للجوع، ومات خلال هذه الفترة أحد الأطفال، وأصيب آخر بإعاقة ذهنية. وتقول أم محمد: كنت أعمل في المزارع من صلاة الفجر حتى الغروب في أعمال شاقة أنا وأطفالي وبأجر بسيط جداً لا يكاد يكفي مئونة يوم واحد، بل إننا كنا نعمل طوال النهار مقابل وجبة غداء أو إفطار!! وبعد معاناتي هذه وبعد عودتنا لمنزلنا قررت العمل وبأي شكل من الأشكال لأتمكن من إطعام الأطفال، وقد قمت ببناء هذه الغرفة بجوار منزلنا المتهالك بيدي، وقمت بشراء أدوات مطعم ومقهى بما جمعت من نقود من عرق جبيني، ولكن زبائننا معدودون والبعض منهم لا يدفع قيمة الشاي، ويستغل ضعفنا ويذهب ويتركنا دون أن يحاسب!. وعن الضمان الاجتماعي تقول أم محمد لا أعلم كيف استفيد من الضمان ولدينا حفيظة والدنا ونحن مضافون فيها، ولكن أبلغونا أنه لا يمكن إلا بدفتر عائلة رغم أنني كلمت شيخ القبيلة ونحن معروفون لديه ولكن لم يحسم الموضوع بعد، ولم نجد من يعطينا حقوقنا، وأطفالي لم يلتحقوا بالمدارس!. وعن لجان البحث الاجتماعي من قبل وزارة الشئون الاجتماعية فإنها لم تفهم أم محمد هذا السؤال الصعب لتجيب عليه ولكنها تؤكد أنه لم يمر بهم أحد ممن يسألون عن حاجتهم. وفي ختام لقائنا بأم محمد فقد أكدت وهي تبكي أنها ستتلف كل هذه الأدوات وتتخلى عن هذه الأعمال التي أجبرتها عليها قسوة الحياة متى ما وجدت قوت يومها، أو متى ما سجلت هي وبناتها في الضمان الاجتماعي!! أم محمد تعمل في المقهى شهد عمرها خمس سنوات تقدم الشاي هوية والدهم المتوفى