تقول العرب إذا اجتمع الحكيم والمحنك صلح الأمر وأصاب الرأي واستقام الحكم وعلا الشأن ووضح العدل وبان الإنصاف. وقد جمع الله في هذه البلاد المباركة ومنذ توحيدها على يد المؤسس المحنك والحكيم الملك عبدالعزيز رحمه الله جمع الحكمة والحنكة في وقت واحد. فبالحكمة تساس الأمور ويحسن الصنيع ويصبر على الهنات الصغيرة التي بالصبر عليها تستجلب المنافع الكبار التي قد لا يراها إلا الحكماء من الناس. وليس مجال هذا المقال استقصاء مصداق ذلك في تاريخ بلادنا التي تعاضدت فيها الحكمة والحنكة جنباً إلى جنب. إلا أنني في هذه العجالة أتحدث عن صورة ناصعة من هذه الصور التي منَّ الله بها على بلادنا المباركة. فبلادنا اليوم يتولى زمامها حكيم العرب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي تحدثت بحكمته الركبان وسُمع صداها في الآفاق وشهد بها الأعداء قبل الأصدقاء حتى وقف الناس إعجاباً وإعظاماً لحكمة هذا العربي الأصيل وهو يرى ما لا نرى وينظر حيث لا ننظر. فتجلت حكمته وصواب رأيه في أمور كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية وعلمية كالصبح الأبلج والنجم الساطع في الليلة الظلماء وقد برزت هذه الحكمة في مؤتمر القمة العربي الذي عقد بالدوحة مؤخراً. حكمة بالغة يكفي أن تنظر وترى ثم تقرأ أسفاراً ومجلدات في حكمة سطرها حكيم العرب ليكون الفعل أبلغ من الخطب والأحاديث والصمت حكمة حين يكون الكلام هذراً. ومن مهارة الحكماء التي يتميزون بها عن غيرهم أنهم يعرفون من يختارون من الرجال ليوكلوا لهم أمور الناس فهذا موسى نبي الله عليه السلام عندما أرسله الله إلى بني إسرائيل وحري بمن اختاره الله عز وجل أن يكون أهلاً لكل تكليف ولكن هذا النبي الكريم عرف ببعد نظره وصواب رأيه حال القوم الذي سيواجههم ويجادلهم أنهم أمة أهل جدال وحكمة وكان أخوه هارون مشهوراً بالفصاحة والبلاغة والحنكة في سياسة الناس فناجى عليه السلام ربه في قوله عز وجل (فأرسل إلى هارون). وقوله: (أشدد به أزري وأشركه في أمري). وقوله عز وجل (قال سنشد عضدك بأخيك). أليست الحكمة في أن تختار الرجل المناسب للمهة المناسبة؟ وقد أعاد لنا حكيم العرب عبدالله بن عبدالعزيز هذه الصورة مجدداً حين اختار إلى جانبه في إدارة دفة الحكم وسياسة الناس رجلاً محنكاً عركته الحياة ونابذته المحن حتى صنعت منه رجلاً محنكاً بذ الأعداء بحنكته وقدرته الفائقة في مواجهة الصعاب. وما كان اختيار حكيم العرب عبدالله بن عبدالعزيز لمحنك العرب نايف بن عبدالعزيز إلا استمراراً للنهج الموفق الذي يرزقه الله عباده الصالحين فكم قص علينا القرآن الكريم من قصص الحكماء والمحنكين مثل أنبياء الله سليمان وداوود ولقمان وموسى وهارون ومن ذلك قوله تعالى عن نبيه داوود (وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) صورة ص آية (20). وفي تاريخنا الإسلامي المشرف صفحات مشرقة اجتمعت فيها الحكمة والحنكة ومثال ذلك قيام الدولة الأموية التي لم تكن لتنجح في القيام وحكم العالم الإسلامي إلا حين اجتمعت لها الحكمة والحنكة. فحكمة معاوية بن أبي سفيان ودرايته وحسن سياسته تطلبت حنكة عمرو بن العاص ودهاءه. وها نحن اليوم في دولتنا المباركة التي يقود دفتها حكيم العرب نراه يختار هذا الرجل المحنك الذي رزقه الله بعد النظر وصواب الرأي ودهاءَ فطرياً غير مكتسب بل هو موهبة من الباري جل في علاه. وقد تجلت هذه الحنكة فيما مرت به بلادنا حماها الله من أحداث كان أبطالها من عناهم الشاعر بقوله: فوا عجباً لمن ربيت طفلاً أُلقمه بأطراف البنانِ أعلمه الفتوة كل وقت فلما طَر شاربه جفاني وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني نعم لم يواجهنا بالرمح والسيف إلا أبناؤنا الذين رضعوا من لبن وطنهم الرؤم وتغذوا من حجر بلدهم الرحوم ولعبوا وتعلموا الرماية في عرصات حضنه الدافئ فلما قوي الساعد واشتد العضد توجهت النبال والسهام إلى ذلك الصدر. كانت هذه الأحداث على ما تحمله من ألم وحزن كون السهم جاء من أقرب الناس الذي يرجى منهم البر والإحسان فكان لسان حالنا كما قال الشاعر: رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى فكيف بمن يرمي وليس برام ولو كنت أرمي بنبل رددتها ولكني أُرمى بغير سهام لكن حكنة نايف بن عبدالعزيز نهضت لهذا العقوق في وقت بقي فيه الأقوياء والأشداء لا يحيرون خطاباً ولا فعلاً مشدوهين من هول الصدمة مرددين قول الشاعر: وظلم ذوي القرى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند نهض نايف كنهضة أبي بكر حين صمت بأس بن الخطاب رضي الله عنهم في حادثة الردة حين قال أبو بكر مقولته المشهورة (يا عمر أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام). عندما رغب عمر في عدم محاربة من منع الزكاة، والتفرغ لحرب المرتدين عن الإسلام. نهض نايف ولسان حاله يردد قول عنترة: وفي يوم المصانع قد أقمنا بأسيافنا سوق حرب ثم صيرنا النفوس لها متاعا حصاني كان دلال المنايا فخاض غمارها وشرى وباعا وسيفي كان في الهيجا طبيباً يداوي رأس من يشكو الصداعا فتصدى نايف بن عبدالعزيز بحنكته وبعد نظره لفتنة تمنى منظروها ومخططوها أن تعصف بأمن هذه البلاد وشعبها واقتصادها وتحيلها إلى فوضى ومنطقة صراعات. هذه الحنكة اختارت الدواء المناسب للداء الذي شُخص من طبيب ماهر حصيف عارف ببواطن الأمور فكان الدواء الناجح الذي وجد المرض المنتشر فأوقف انتشاره ونموه وأخذ يزيله شيئاً فشيئاً حتى يتم الشفاء منه نهائياً.