أعلم أنني آتٍ من الظلال ..حين أحاول اللحاق بركب المودّعين للدكتور عبدالعزيز السبيّل وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الذي تقدّم باستقالته مؤخّرا ، حيث تناولت الساحة الثقافية ممثلة بعددٍ غير قليل من رموزها وعلى مدار الأسبوعين الماضيين الأثر الكبير والنقلة النوعية التي قفزها مشهدنا الثقافي على يد الدكتور السبيل ، سواء عن طريق محاولة إعادة صياغة آلية عمل المؤسسات الثقافية الرسمية كالأندية الأدبية ، أو خلق أفق ثقافي نوعي مؤثر كما هو الشأن المتمثل في معارض الكتاب في العاصمة الرياض التي أضافت كثيرا للساحة الثقافية العربية على مستوى التأليف والنشر والترويج للثقافة المحلية ، وغيرها من قائمة تبدأ ولا تنتهي أوراقها موقّعةً بحبر قلمه ، وأثرها متكلٌ عليه دائما ، وهي جوانب واضحة جداً في مسيرة الدكتور السبيل أسهب كثير من المثقفين في استعراضها وتقصّي آثارها ، ليس أولهم الدكتور سعد البازعي عبر طرحه الجميل في صحيفة الحياة في يوم الثلاثاء ما قبل الماضي والموسوم ب (السبيل قاد ثقافتنا إلى مراتب التنظيم والحيوية )،وليس آخره الاستعراض النبيل هنا في هذا الملحق للأستاذ سعد الحميدين في زاويته ( لمحات ) والمعنون ب السبيل والمنجز الثقافي في عدد الخميس الماضي ... ولأنني أقل من الإضافة على كل ما استعرضه أستاذاي البازعي والحميدين ممن أتيح لي فرصة الاطلاع على كتاباتهم في هذا الشأن أو الكثيرون غيرهم ممن قصُرت عن قراءة ما كتبوا، سأكتفي فقط بالانحياز العفوي للسبيّل من خلال تأثيره النفسي على المبدعين ...، وعلى الرغم من أنني لم أتشرّف يوما بالمشاركة الإدارية أو العملية في أي فعل ثقافي واحد من بين قائمة طويلة من الأفعال الثقافية التي دأب على الإشراف المباشر عليها إخلاصاً وتفانيًا ، إلا أنني كنتُ أعبر مكتبه في زياراتٍ متباعدة ثم لا أقول له إننا نحبك ، ونحتاج دائما لابتسامتك التي تنبت الصحو في أحلامنا الإبداعية ، نحتاج كثيرًا يا صديقنا لبشاشة روحك التي تهدهد القصيدة ، وتحاور الرواية ، وتناور الإحباط ، وتربت على كتف الاحتجاج ، وتوفِّق بضغط عصبي مميت بين تيارات متنافرة لا موقف لها إلا الشماتة بالآخر، تفهّمتْ روحك البشوشة دائما مزاجية القلم ، وفوقية المنظِّر ، وتمرّد الأنامل الكسولة ..! نعلم تماما يا صديقنا أنك لم تكن لتنشغل عنا حتى وأنت تركض في دروبٍ شائكة ، تزيح عثرةً غرباً ، وتعيد رسم خارطة الطريق شرقاً ، لتواجه الموقف شمالاً ، وتتصالح معه جنوباً ، فلا نراك في كل هذه الرحلات إلا مصطحباً أحدَنا كتابًا ، أو آخرَ في رسالة هاتفية ، أو ثالثاً التقاك صدفة في رحلة طيران ، فتركتَ في ذاكرته زمنًا شمسيًّا وابتسامةً مدّخرة لأوسمة القلق والاكتئاب.. نعلم تماما تماما أنه لم يشغلك عنا يوما إلا اهتمامك بنا ...! وبعد .. .. فقد كان عليّ أن أقول كل هذا في وداعك الآن حينما لم أقله لك من قبل ، ليكون خالصاً لوجه الحب والوفاء ، فالتاريخ قبلنا سيتذكَّر أنك لم تكن إلا كلّنا ، حين كنتَ واحدًا منا، جئتَ أصدقنا إيمانا بالمبدعين فتنامى بك إبداعنا جميعاً ، وحين كنتَ أكثرنا عملاً وأملاً وتفاؤلاً ، اتّكلتْ عليك أحلامنا حد الإرهاق .. ومع هذا حتى في ذهابك لاتتركنا، إذْ تركتَ للقادم بعدك أيًا كان سيرةً لا يتجاوزها إن رغب في أن نحبه كما أحببناك ...