ورد في كتاب (حماسة أبي تمام تحقيق الدكتور عبدالله عسيلان) موقف لشاعر بشكل مخجل، وقد رأته زوجته في هذا الموقف (فدقَّت صدرها) فزعاً واحتجاجاً وربما احتقاراً، لقد رأت زوجها يطحن بالرحى وقد تقاعس ظهره (انحنى).. والطحن بالرحى في الجاهلية - زمن القصة - من اختصاص العبيد والإماء، أما الرجال فلهم الكر والفر في الوغى.. قال أبو تمام في حماسته (وبالمناسبة فإن حماسة أبي تمام من أجمل المختارات الشعرية المبدعة.. كيف لا وقد اختارها شاعر بقامة أبي تمام) قال: «وقال الهذلول بن كعب حين رأتْهُ زوجته يطحن مَحْنِيّاً فصرخت مستنكرة: أهذا زوجي؟!.. وضربت صدرها بيدها متحسرة.. فالتفتْ إليها وقال على البديهة: «تقول - ودقّتْ صدرها بيمينِها(1): أَبعلي هذا بالرحى المتقاعِسُ؟! فقلتُ لها لا تعجلي وتبيَّني فَعَالي إذا التفتْ عليَّ الفوارسُ أَلستُ أردُّ القِرن يركب ردعَهُ وفيه سِنَانٌ ذو غرارينِ يابسُ؟ واحتمِلُ الأَوْقَ الثقيلَ وأمتري(2) خُلُوفَ المنايا حين فَرّ المغامِسُ إذا خامَ أقوامٌ تقحَّمتُ غمرةً(3) يهابُ حُميَّاها الألدُّ المدَاعِسُ لَعَمْرُ أبيك الخيرِ إنِّي لخادمٌ لضيفي، وإني إن ركبتُ لفارسُ وأَقرِي الهمومَ الطارقاتِ خَزَامةً إذا كثُرِتْ في الطارقاتِ الوساوسُ وإني لأشري الحمدَ أَبغي رَبَاحَهُ وأترُكُ قرْني وهو خَزْيانُ تاعِسُ» (الحماسة مقطوعة رقم 242).. فالرجل يفخر بأنه يطحن لضيوفه فلا خجل في ذلك، وقد يقدم الضيف فجأة وبدون استعداد فيقوم الفارس المقدام بالطحن والطبخ إذا لزم الأمر ليبقي وجهه أمام ضيوفه.. * والمرأة أكثر اهتماماً من الرجل بالمظاهر لا الجواهر في الغالب العام، وكثيراً ما تقع الفتيات في مآسٍ لاحقة حين ترفض الزواج من شاب ناجح جاد لكنه لا يعرف كيف يلبس ولا يهمه موديل سيارته، وتقع في غرام شاب تافه فاشل له مظهر براق وملبس أنيق وسيارة حديثة اشتراها له أبوه أو أمه فلا تكتشف تفاهته وعجزه عن تحمل المسؤولية إلا بعد الزواج.. * ومساعدة الرجل لزوجته في أعمال البيت مشرِّف لا مخجل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك وهو سيد البشر. (1) ودقّت صدرها: في رواية أخرى وصكَّتْ صدرها، المتقاعس: وضع يشبه الأحدب، (والقعس) في اللغة دخول الظهر وخروج الصدر. (2) الأوق: الحِمْل، وامتري: استعذب، خلوف المنايا: الخلوف هو الحليب، فيه كناية بليغة عن شجاعته بأنه يتلذذ بشرب كأس المنية كما يتلذذ شارب الحليب الطازج طالما كان يدافع عن عرضه وأرضه وماله.. والمغامس: هو المغامر من قطاع الطرق وهو في العادة انتحاري، تأكيد لشجاعة الشاعر.. (3) خام: جبن وتراجع وخاف، والمداعس: الذي يطعن بشدة واندفاع..