الإنفاق هو الأداة الرئيسية لحفز النشاط الاقتصادي، حقيقة يتفق عليها الجميع، لا سيما في ظل أزمة مالية، وأي أزمة أشد مما هو محيط بالعالم اليوم، غير مستثنية أي اقتصاد على وجه الأرض من هذا المنطلق عد التوسع في النفقات بالميزانية العامة للدولة التي أقرت الأسبوع الماضي أمراً متوقعاً وتوجهاً بعث بمزيد من الارتياح لدى كافة شرائح المجتمع، فهذا الإنفاق الذي يتجاوز حجمه النصف تريليون ريال، حظي قطاع التعليم بنصيب جوهري منه، تلاه قطاع الصحة والتنمية الاجتماعية وصناديق التنمية وبرامج التمويل الحكومية، والتجهيزات الأساسية، والنقل والمواصلات والخدمات البلدية، مما يعكس الهدف الأساسي لذلك الإنفاق وهو تحسين المستوى المعيشي للمواطن بالدرجة الأولى، إضافة إلى أنه توجيه للموارد نحو جوانب داعمة للنمو الاقتصادي والتنمية الوطنية، وتعزيز جاذبية الاقتصاد المحلي للاستثمار، وتوفير مزيد من فرص العمل للمواطنين ومقدار هذا الانفاق لا يرصد جزافاً بطبيعة الحال، وإنما بحسب الأولويات التي تحددها خطط التنمية الخمسية، التي يتزامن العام المالي المقبل مع أولى سنوات الخطة التنموية التاسعة، لذا يعقد الأمل في ظل مؤشرات هذا الإنفاق أن تستطيع هذه الخطة استدراك ما أخفقت في تحقيقه خطط التنمية الخمسية التي سبقتها، وأن تتوصل إلى بلوغ ما احتوته من أهداف وطموحات. إن التوسع في الإنفاق على تلك القطاعات الأساسية في الاقتصاد الوطني هو أمر إيجابي ومحمود إلا أن مما يعزز من كفاءته هو التوزيع المكاني لهذا الانفاق، وإعطاء كل منطقة بما تشمله من محافظات ومدن وقرى، النصيب الذي تستحقه من الإنفاق الاستثماري بهذه الميزانية الذي تتجاوز نسبته الخمسين في المائة من حجمها، على الأقل في إطار الاستراتيجية العمرانية الوطنية التي أقرت منذ عقد من السنوات، ولم نرَ ما يجسد كثيرا من أهدافها على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال من بين أربع جامعات جديدة تم رصد اعتمادات مالية لها في ميزانية العام القادم توجد واحدة في مدينة رئيسية كبرى هي جامعة الدمام، بينما الجامعات الثلاث الأخرى أقيمت في مدن متوسطة هي الخرج والمجمعة وشقراء، مما يعد مؤشراً إيجابياً على التوزيع المكاني الملائم للإنفاق على قطاع التعليم العالي في المملكة، لكن ماذا عن القطاعات الأخرى من صحة وتجهيزات أساسية ونقل ومواصلات وخدمات بلدية، مما لم تتضح بياناتها المكانية في أرقام الميزانية..؟ بل إننا حين نريد أن نخطو أبعد من ذلك قد نتساءل عن وجه التكامل بين تلك القطاعات حين يتزامن الإنفاق على مشروعاتها كارتباط تأسيس جامعة جديدة مثلاً بإكمال التجهيزات الأساسية في المحيط الذي تنشأ فيه والرفع من مستوى الخدمات الصحية والبلدية الموجهة حصة من تلك الخدمات لها، لتكون عنصراً جاذباً للعمل والدراسة في تلك الجامعة، وتوفير فرص العمل لاحقاً لخريجيها بالانخراط في تلك القطاعات الإنتاجية، وبالتالي التقليل من الهجرة الداخلية بما يخفف من حجم الإنفاق على قطاع النقل والمواصلات في داخل المدن الكبرى المزدحمة، ورفع تكاليف تجهيزاتها الأساسية، هل ذلك التكامل يحدث في حينه، أم يجيء عرضاً ويأتي متأخراً عن أوانه؟